لماذا نجحت الدول الفقيرة في تفادى "تسونامي اقتصادي" رغم تداعيات "كورونا"؟

ترجمة - الرؤية

في مارس الماضي، عندما أصاب كوفيد 19 الاقتصاد العالمي، عبَّر العديدُ من المراقبين عن مخاوفهم من أن الأسواق الناشئة والدول النامية ستعاني أكثر من غيرها، من النواحي المالية وغير المالية، فمن الناحية الاقتصادية، تعتمد هذه الدول على صادرات السلع، والتحويلات المالية، والإيردات السياحية، وكلها تعرضت للانهيار خلال الوباء، ومثل ذلك أسبابا مقنعة لتوقع "تسونامي" من الأزمات المالية والتخلف عن سداد الديون، حسبما ذكر تقرير نشرته صحيفة ذا جارديان البريطانية.

لكنَّ التسونامي لم يصل حتى الآن، فستة بلدان فقط هي الأرجنتين والإكوادور وبليز ولبنان وسورينام وزامبيا، تخلفت عن سداد ديونها السيادية، وأول دولتان فقط أعادتا هيكلة ديونهما. ومن المطمئن أن تأثير كوفيد-19 على البلدان النامية، في إفريقيا تحديدا، كان أقل مما كان يُخشى، فسكانها الشباب مقاومون نسبيًا لفيروس كورونا، كما إن أنظمتهم الصحية اكتسبت ثقة الجمهور من حيث الاستجابة للأوبئة سابقا. وعزز التعافي السريع للصين الطلب على صادراتها من السلع الأساسية. ومن الناحية المالية أيضًا، فإن الظروف الحالية مستقرة بصورة مدهشة. ففي مارس، عندما اندلعت الأزمة، تعرضت الأسواق الناشئة لنزيف من رؤوس الأمول. لكن في أبريل، تراجعت التدفقات المتخارجة، ووصل صافي التدفقات إلى الاقتصادات الناشئة معدلات إيجابية ومتزايدة منذ ذلك الحين.

وليس من الصعب معرفة السبب؛ فالعائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات أقل من 1%، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تنخفض قيمة الدولار، كما إن عوائد السندات الحكومية الأوروبية سلبية. وفي بيئة اقتصادية كتلك، لا يمكن لأي مستثمر مقاومة إغراء سندات الحكومة التايلندية التي تدر عائدًا بـ1.35%، على الرغم من أن تايلاند تظهر علامات تقليدية على وجود مشاكل مالية مقبلة، فاقتصادها يعتمد على السياحة التي من المتوقع أن تنكمش بنسبة 7% هذا العام، فضلا عن حكومة تفتقر إلى الدعم الشعبي.

وإذا استؤنف النمو العالمي في عام 2021، بعد طرح اللقاحات والتزام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المستمر بمعدلات الفائدة المنخفضة للغاية، فقد تتخطى بعض البلدان النامية الأزمة، وسيستمر المستثمرون المتعطشون للعائد في إظهار شهيتهم لسنداتهم.

لكنَّ البلدان الأخرى، التي تضررت بشدة من انخفاض عائدات الصادرات وانهيار التحويلات المالية، ستُفرض عليها التزامات ينبغي الوفاء بها. ويقدر معهد التمويل الدولي أن ما يقرب من 7 تريليونات دولار من ديون الأسواق الناشئة ستكون مستحقة في عام 2021، أي ثلاثة أضعاف مستوى عام 2020.

وفي حالة إصدار الحكومات للديون المحلية، يمكن لبنوكها المركزية شرائها، لكن فقط على حساب إضعاف العملة وترهيب المستثمرين من القطاع الخاص. إضافة إلى ذلك، من المتوقع ضعف الديون الخارجية المستحقة في عام 2021 مقارنة بهذا العام؛ حيث أصبح الكثير من هذا الدين لا يمكن دفعه فعليًا بسبب الصدمة الاقتصادية الناجمة عن الوباء.

واستجابت مجموعة العشرين لمبادرة تعليق خدمة الديون التي تسمح لـ73 دولة منخفضة الدخل تأجيل سداد ديونها الحكومية إلى الحكومات الأخرى لمدة عام ونصف العام.

وفي وقت لاحق، أوضحت حكومات مجموعة العشرين أنها لا تنوي تأجيل مطالباتها إذا ذهبت الأموال التي تم تحريرها ببساطة لسداد الدائنين من القطاع الخاص. لكن القطاع الخاص أوضح بنفس القدر أنه لا يهتم كثيرًا بالامتيازات. وتظهر أحداث التاريخ أن الديون الخاصة لا تتم إعادة هيكلتها إلا عندما يقتنع الدائنون بأن "نصف رغيف أفضل من لا شيء". وما زال المستثمرون يأملون في الحصول على "رغيف كامل"؛ بمساعدة القطاع العام.

ويمكن لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إصدار قرار يأمر أعضائه بحماية أصول البلدان منخفضة الدخل من الدائنين المتنازعين، مثلما كان يحمي الأصول العراقية بعد الإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين. ويمكن للكونجرس الأمريكي أن يمنح هذا الإجراء قوة القانون. أو بعد 20 يناير 2021، يمكن للرئيس جو بايدن إصدار أمر تنفيذي يأمر المحاكم بالمضي قدمًا وفقًا لذلك، كما فعل الرئيس جورج دبليو بوش في قضية العراق عام 2003.

لكن من الصعب تحقيق الإجماع داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بل ومن الصعب الحفاظ عليه، وسيكون لإدارة بايدن القادمة رأس مال سياسي محدود، في مقابل وفرة من المشاكل الأخرى.

تعليق عبر الفيس بوك