أمريكا ما بعد ترامب.. هل تتغير المنطقة؟!

جمال الكندي

بات من شبه المؤكد حدوث تغيير في الإدارة الأمريكية بتاريخ العشرين من يناير 2021 من إدارة جمهورية إلى إدارة ديمقراطية، والعودة لعهد سياسة أوباما في تعاطيها مع ملفات المنطقة التي اختلفت اختلافا تكتيكيًّا عميقاً عن الحزب الجمهوري في عهد الرئيس دونالد ترامب، مع بقاء السياسات الإستراتيجية الأمريكية ثابتة فهي ترسم قبل ما يسمى بـ"الدولة العميقة".

ووجود إشارات برفض الرئيس الحالي ترامب الاعتراف بفوز الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة الأمريكية لا يعول عليها؛ فالقرار بحتمية رجوع الحزب الديمقراطي للحكم في أمريكا وإصلاح ما أفسدته إدارة "ترامب" في المنطقة حسب ما يوضحه كثير من المتابعين للشأن الأمريكي أصبح أمرا ملازماً من الدولة العميقة؛ فالإدارة السابقة كانت فجةً في تعاملها مع الحلفاء قبل الخصوم، وقد أحرجت الأوروبيين حلفاء أمريكا التقليديين في ملفات عدة؛ من أهمها: الملف النووي الإيراني، بخروجها من الاتفاق النووي، وهذا بدوره تسبب بفتور في العلاقات الأمريكية الأوروبية.

لذلك؛ فمرشح وزارة الخارجية الأمريكية المتوقع حسب التسريبات الإعلامية هو أنتوني بلينكن دبلوماسي سابق شغل منصب مساعد مستشار الأمن القومي للرئيس باراك أوباما، وبعدها منصب المساعد الأول لوزير الخارجية الأسبق جون كيري، والرجل يُصنَّف أنه من مؤيدي تقوية العلاقات مع أوروبا، وإذا عين في هذا المنصب سيكون مهندسَ إصلاح هذه العلاقة، التي أصابها تصدُّع في فترة رئاسة ترامب. الملفات التي سيختلف طريقة تعاطي إدارة الرئيس الجديد جو بايدن منها عن الرئيس الحالي ترامب قد تكون في الملفات الفلسطينية واليمنية والإيرانية.

الملف الفلسطيني أصابته انتكاسة قوية تحت إدارة ترامب، فقد أعطى كل ما طلبته إسرائيل، ولم يراعِ السلطة الفلسطينية شريك اتفاقية السلام الفلسطيني الإسرائيلي في أوسلو، واستخدم سياسة حرق كل المراكب معها ولم يُبقِ على الخيط الرفيع الذي يرجع به السلطة الفلسطينية للتفاوض مع إسرائيل. وهذا أعطى المبرر الذي كانت دوماً القوى الوطنية والإسلامية في فلسطين التي تتبنى النضال العسكري كمبدأ أساسي في التعامل مع الكيان الصهيوني والرافضة لمخرجات "اتفاقية أوسلو" أن تتلاقى مع السلطة الفلسطينية على أرضية مشتركة للنضال الفلسطيني بكل الطرق حتى العسكرية والأمنية، بعدما أعطت إدارة ترامب كل ما تستطيع للكيان الصهيوني. وكما يقال: "رُب ضارة نافعة"؛ فهذا الأمر سرع من المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، لكن الأمر لم يدُم طويلاً فمجرد ظهور بوادر هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية، ووعد الرئيس القادم بايدن برجوعه إلى مفاوضات السلام بين فلسطين وإسرائيل على أساس حل الدولتين، وفتح مكتب السلطة في أمريكا، وأمور غيرها قام بها ترامب تريد إدارة بايدن تصحيحها لكي لا تخلق جوَّ المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس، وإبقاء شعرة معاوية بينها وبين السلطنة الفلسطينية، وهذا هو الفارق الأساسي بين إدارة ترامب والإدارة المقبلة للرئيس الجديد جو بايدن.

الملفُّ اليمني والمعروف بحرب التحالف السعودي في اليمن مع أنصار الله في الشمال اليمني، فهذه الحرب بدأت في نهاية عهد الرئيس السابق أوباما، وتواصلت إلى عهد الرئيس الحالي ترامب، والسؤال هنا: هل هذه الحرب رغبة سعودية إماراتية أم هي بتوجيهات من واشنطن؟

إنَّها حرب أمريكية بأدوات حلفائها في المنطقة لضرب نفوذ إيران، وهو ما بات واضحاً في اليمن بعد فوضى الربيع العربي؛ فمُطالبة الشارع اليمني بتغيير القيادة السياسية اليمنية الموالية للطرفين الخليجي والأمريكي التي يعتقد هذا الشارع الواسع بتياراته المختلفة ومنها التيار الحوثي (أنصار الله) أنها سببٌ في فقر هذا البلد وتخلفه اقتصاديًّا وتنمويًّا وعلميًّا وحتى عسكريًّا، فأدت الثورة اليمنية إلى الإضرار بالمصالح الخليجية في هذا البلد؛ فكانت فكرة تغيير جلد القيادة السياسية بوجود عبدربه منصور هادي في الرئاسة بدلا من القيادة التاريخية اليمنية المتمثلة في شخصية الرئيس على عبدالله صالح، مع بقاء الولاء السياسي القديم لأمريكا وحلفائها على حاله. وهذا الأمر لم يعجب قطاعات واسعة في اليمن ومن ضمنها التيار الحوثي، فكان لا بُد من قرار أمريكي بتغيير الواقع السياسي والعسكري الذي بدأ يتغير في اليمن بسيطرة تيار محسوب على قوى المقاومة والممانعة في المنطقة، ويغرد خارج السرب الأمريكي على الشمال اليمني.

حربُ اليمن هي أوامر أمريكية؛ إذ تدعمها استخباراتيا ولوجستيا وحتى عسكريا، وكان الوعد ممن بدأ الحرب أنها حرب أسابيع قليلة، والأسابيع القليلة امتدت إلى ست سنوات. ترامب دعم هذه الحرب فقد استخدم الفيتو الرئاسي لإبطال قرار الكونجرس الأمريكي بإنهاء الدعم لها، وهو يناقض ما تنادي به الأمم المتحدة لإنهاء هذه الحرب العبثية، ووقف الدعم للقوى المتقاتلة في اليمن للجلوس على طاولة حوار حقيقية تقدر قوة كل طرف فيها. ومن هنا، سيتبين لنا مدى تباين سياسة ترامب وبايدن في هذا الملف، خاصةً بوجود ضغوط تمارس من قبل المجتمع الدولي لإيقاف هذه الحرب بسبب تكلفتها البشرية التي بات عبئاً على كاهل الإنسانية، ووصمة عار لكل من يتشدقون بحقوق الإنسان في هيئة الأمم المتحدة.

الملفُّ الإيرانيُّ له تعقيداته الخاصة بسبب سعي حلفاء أمريكا البارزين في فترة ترامب إلى خلخلة الاتفاق النووي الإيراني مع "مجوعة 5+1"؛ لذلك فالرئيس ترامب كان واضحاً في قضية الاتفاق النووي بخروجه من هذا الاتفاق، ووصفه بأنه أسوأ ما فعله الرئيس السابق أوباما، وطبعاً كان ترامب مدفوعاً من قبل إسرائيل للخروج من هذا الاتفاق وشيطنة إيران مرة أخرى؛ فالإتفاق يعدُّ نصرا إيرانيا كبير بعد مفاوضات ماراثونية لأكثر من عشر سنوات؛ فكان مفتاحاً لإيران لدخولها في المعادلة الدولية، وصك اعتراف من الغرب وأمريكا بأحقيتها بامتلاك التقنية النووية السلمية، ورفع الحصار الدولي عنها. وهذا الأمر لا تريده إسرائيل وتريد إبقاء التوتر مع إيران على حاله، وأن يدخل مشروع برنامجها الصاروخي الدفاعي في المفاوضات، وهو ما ترفضه إيران جملة وتفصيلاً.

الرئيسُ المنتخب بايدن صرَّح في أكثر من مناسبة بأنه سيرجع إلى الاتفاق النووي، وتم إرسال رسائل تطمين للإيرانيين بهذا الخصوص، خاصة بعد الاعتداء الإرهابي على الدكتور محسن فخري زاده، وأدى إلى استشهاده. هذه العملية كان الغرض منها تأزيم المنطقة وإشعالها بمسلسل الرد والرد المقابل، فمن فعل هذه الفعلة النكراء ينتظر الرد الإيراني الآتي لا محالة حسب التصريحات الإيرانية.

شيطنة الوضع مع إيران يخدم حلفاء ترامب الرافضين للاتفاق النووي معها؛ فهو يقلب الأوراق ولا يعطي خيارات للإدارة الأمريكية الجديدة سوى خيار التصعيد؛ لذلك فقد صرح بايدن بالرغبة في العودة للاتفاق النووي مع إيران من أجل ذلك فهي تطلب من إيران التريث في الرد، أو أن يكون ردًّا لا يجر المنطقة إلى حرب.

الرئيسُ بايدن تنتظره ملفات داخلية وخارجية معقدة، والتعاطي معها سيختلف عن تعاطي الجمهوريين، ومن خلال ما رشح في الإعلام الأمريكي عن طاقمه الإداري؛ فهي تُنبئ بتغيير في العلاقة مع الحليف الأوروبي والخروج من دعم الحرب في اليمن، وإبقاء شعرة معاوية مع السلطة الفلسطينية، علاوة على بقاء الإستراتيجية العامة ثابتة؛ وهي: أمن إسرائيل وتقوية هيمنة الوجود الأمريكي في المنطقة.