السياحة الداخلية.. ورهانات الوزير

 

د. عبدالله باحجاج

تابعتُ تغريدة مُتداولة عبر وسائل التَّواصل الاجتماعي لمعالي سالم بن محمد المحروقي وزير التراث والسياحة، يقول فيها حرفيا" "جائحة كورونا أثبتت أنَّ السياحة الداخلية رافد مهم"، ويضيف: "وعندما تصل نسبة الإشغال ما يزيد عن 95% من المُواطنين والمُقيمين.. فعلى المنشآت والمرافق تقديم برامج وتجارب ترويجية مُستمرة للحفاظ على المكاسب وسوق العمل وقيم مضافة يعود نفعها للجميع".

التساؤلات:

كيف سنصل إلى تلك النسبة المئوية المثالية في كل محافظات البلاد السياحية، والمحافظات تفتقر لمرافق وخدمات سياحية أساسية وبنية تحتية تعرقل السياح والزائرين من الوصول إلى المواقع السياحية؟

هل ينبغي أن يكون قطاع الإيواء وخاصة  الفنادق الكبيرة في موقف ردة الفعل أم الفعل؟ بمعنى: هل ينتظر ارتفاع النسبة حتى يقدم حوافزه وتسهيلاته أم أن هذه الأخيرة ينبغي أن تكون من بين أسباب الوصول إلى تلك النسبة المئوية؟

هل السياحة الداخلية أو المحلية لوحدها كافية لكي تكون مصدراً مهماً من مصادر الدخل أم أننا ينبغي أن ننفتح على مفهوم السياحة العائلية؟

هل أخذ معاليه بعين الاعتبار الوضع المالي الجديد للأسر العُمانية بعد موجة التقاعد الإجباري والضرائب والرسوم ورفع الدعم وتزايد أعداد الباحثين؟ وتداعيات هذه السياسات المالية ستظهر في العام 2021.

هل ننتظر بعد تغريدة الوزير صناعة سياحة عائلية جاذبة للداخل أو الخارج؟ وكيف؟

من حيث المبدأ؛ لابد من الإشادة بتغريدة الوزير من حيث سياقها الزمني الذي جاء بعد أن انبهر الكل بحجم السياحة الداخلية أثناء عطلة اليوبيل الذهبي رغم جائحة كورونا، وهذا يدفع قطاع السياحة لكي يقود القطاعات الإنتاجية في البلاد، ويؤخر قوة اندفاع الماليين نحو الضرائب والرسوم والتفكير بعمق في كل ما يُقلل من حجم دخل المواطنين، لأنَّ السياحة المحلية/ العائلية تتوقف على المقدرة المالية للأسر.

وفي كل الأحوال سيكون مستقبل البعد المالي حاكماً لقرار السياحة الداخلية على اعتبار أنَّ هناك قرارات قد اتخذت وستمس جوهر المقدرة المالية، ومن الأهمية بمكان بحث هذه المسألة من منظور عقلنة هذا التوجه من جهة والانفتاح على السياحة العائلية التي تُحافظ على هوية وقيم الأسر الملتزمة خاصة الإقليمية التي تتناغم مع الماهيات المتناغمة والمنسجمة مع الداخل.

واستشرافاتنا المقبلة، تجعلنا نراهن على السياحة العائلية "الداخلية والخارجية" عبر جعل بلادنا جاذبة لها، بل مركزا إقليميا لها، في ظل ما نشهده الآن من تحولات لدول إقليمية منافسة لبلادنا باتجاه التحرر من بعض القيم الإسلامية الثابتة، نتيجة انفتاحها الأيديولوجي والسياسي على كل الأيديولوجيات المتعارضة مع أيديولوجية المنطقة، وعلى رأسها أيديولوجية الكيان المُحتل، مما سنشهد تنامي القلق من استمرار التدفق السياحي لها، وتنامي ما يخدش مشاعر الأسر المُسلمة.

وليس هذا البعد الإقليمي لوحده الذي سيجعل من بلادنا مركزاً إقليمياً للساحة العائلية فقط، وإنما المميزات والمقومات السياحية التي تتمتع بها بلادنا، وهذه مسؤولية مشتركة بين وزارة التراث والسياحة والمحافظين في المحافظات بعد صدور توسيع صلاحيات المحافظين، فهما صاحبا الفعل الآن، وكل الفرص مُتاحة لهما لإحداث نقلة سياحية من كل محافظة على حدة وخلال المدى الزمني القصير والمتوسط.

وهذا هو التوجه الذي سيصنع التوازن المفقود في الاستدامة المالية للدولة، فبدل طغيان العامل الجبائي المثقل اجتماعيًا، يدخل العامل السياحي لقيادة القطاعات الإنتاجية لتمويل موازنة الدولة، والتخفيف من كاهل الضرائب والرسوم على المجتمع، والمسألة بسيطة وخالية من أية تعقيدات، ويمكن لبلادنا إذا ما توفرت لها إرادة قوة التنفيذ "أن تراهن على القطاعات الإنتاجية- وما أكثرها- عوضاً عن منظومة الضرائب، لكن إشكاليتنا مع التطبيق الذي يجنح مرحلياً نحو الضرائب والرسوم بقوة الإلزام مع تبني سياسات مالية عامة قسرية تُقلل من دخول المواطنين في ظل بطء التوجه نحو القطاعات الإنتاجية، وهذه موجة مخيفة، تحصد الكثير من المكتسبات الاجتماعية، وتكتنفها الكثير من المحاذير، نبهنا إليها في مقالات سابقة.

نجد الآن قطاع السياحة، القاطرة التي يمكن أن تقود التوجه نحو القطاعات الإنتاجية بعد انكشاف قيمة وتعاظم السياحة الداخلية، وكنَّا قد اقترحنا سابقاً، ونجدده الآن، إقامة مراكز للتخطيط الإقليمي في كل مُحافظة من محافظات البلاد للتخطيط عامة والسياحي خاصة لاستغلال مقومات ومميزات كل محافظة عبر إقامة خارطة بالمشاريع السياحية في كل محافظة، ووضع الإطار الزمني التنفيذي لها، وفق رؤية الكم دون إغفال الكيف، فالنقلة النفعية للوطن والمواطن، تكمن في تلكم الثنائية وفق الإطار الزمني القصير والمُتوسط.

فالقضية الآن تكمن في إقامة مجموعة مشاريع سياحية متزامنة داخل كل محافظة سياحية وفي آجال قصيرة ومتوسطة حتى تحس بها المجتمعات المحلية، وتنشغل بها، ويشتغل أفرادها على تعزيز دخولهم المنخفضة، عوضًا عن الإغراق في نظام الجبايات الذي يُركز على سحب الأموال من جيوب المواطنين دون أن يكون هناك ما يعوضها على مستوى الواقع أو الآمال، فهل ستقود وزارة التراث والسياحة هذه التوجهات بالشراكة مع مُؤسسات المحافظين؟

ربما لم يعد لدينا من خيار الآن سوى هذا التوجه، وعلى وجه السرعة، فوزير التراث والسياحة قد عبَّر عن الأهمية المُتعاظمة للسياحة الداخلية/ العائلية، والمحافظون قد منحوا صلاحيات الإدارة المحلية المستقلة- التنفيذية والتخطيطية- فعليهم ممارستها في هذه المرحلة بفعالية ملموسة، فلو أخذنا ظفار نموذجًا، فإن إقامة مركز للتخطيط الإقليمي يعتبر ضرورة عاجلة، فالمقومات الاقتصادية وخاصة السياحية المتعددة والمتنوعة، والمنتشرة في المدن والساحل والجبال والصحراء.. لا يُمكن أن تظل غير مُستغلة، أو أن تكون أسيرة الأهواء والأمزجة بدلاً عن التخطيط العلمي الذي يديره كفاءات أبنائها مع مختصين تقتضي الحاجة الاستعانة بهم.

وعلى غرار بقية محافظات البلاد، تابعنا الإقبال السياحي الداخلي الكبير على ولايات ظفار الشرقية والغربية وعلى الصحراء.. وما أدراكم بالمقومات الصحراوية التي يمكن لوحدها أن تشكل مصدر دخل، وتوفر فرص عمل كبيرة، لكن تنقصها المرافق والخدمات والطرق المؤدية لها، وهنا تمكن أهمية التخطيط الإقليمي، والتفكير مع الشباب لإدارة مرافقها ونجاحها، وهذا سيكون من اختصاص المركز، وكذلك لو وقفنا عند مجموعة إشكاليات عالقة، كالمشاريع السياحية المؤجلة والأراضي السياحية التي وضعت اليد عليها منذ عقود، ولم تستثمر.. وكأنها أملاك خاصة، فهي تحتاج لقرار مؤسساتي عاجل، أما استثمارها في أجل زمني محدد وغير قابل للتمديد أو استردادها منهم، فهل تملك المؤسسات قوة الإلزام على المتنفذين الكبار أم أن قوتها على المواطنين البسطاء فقط؟

أمام بلادنا فرص كبرى لصناعة السياحة العائلية، وهي التي تتناغم مع مُجتمعنا المحافظ  في وقت تحرر دول إقليمية مجتمعاتها من طابعها المُحافظ، ويمكن أن تجذب هذه السياحة أموال البنوك الإسلامية والمستثمرين في العالم وتدوير استثمارات صناديق التقاعد نحوها، وقد أصبحت أهميتها تتعاضم عالمياً مع نموها بمعدل 5% ليصل حجم السوق إلى 180 مليار دولار عام 2018، وتساهم دول الخليج بأكثر من 30% من حجم الإنفاق على السياحة العائلية عالمياً، وحجم هذا الملف السياحي، وأهميته لبلادنا في حاضرها ومستقبلها، يحتاج فاعلين يؤمنون به، ولديهم نفس حماس خيار الضرائب، بل أكبر، عندها يُمكن الرهان على توجهنا نحو القطاع الإنتاجي بقيادة السياحة العائلية.. فهل نجدهم في النخب الوزارية الجديدة أو تلك التي أعيد تأهليها مجددًا؟