"لا مِساس"

أنيسة الهوتي

"لا مِساس" ...(أكمل ما بعده). والأغلب سيُكمِل "بمعيشة المواطن"، الجُملة السِحرية التي حصنت المُواطنين مثل المعوذات وثبتتهُم على صِراطِ الأمان المادي المستقيم، فالكُلُ كان يشعر بالطُمأنينة من أنَ خُبزتهُ ألتي خبزها لن تُؤخذ منه حتى لو بمقياسِ كَسرةٍ تُشبِعُ نَملة. وَمَن خُبزتهُ لا تُشبعُ بطنهُ يتصبر بها، ومن خبزته تشبع بطنه وبطون عشائره فإنه بعد الشَبعِ يُخزِنها لأبنائه وأحفاد أحفاده، وهناك من يتقاسم خبزته مع غيره برضاه رغبة في نيل ما لذَّ وطابَ في الآخرة. وعندما أصبحت جملة "لا مساس بمعيشة المواطن" غير مُقدسة، رُفعِت عنها بَركة الحصانة وأصبح الكُل مُتمَسِكاً بِخُبزتهِ أو كسرة خُبزه أو مخبزه! والفرق شاسع بين أخذ كسرةِ خُبزٍ من خُبزةِ شخصٍ يطعم فمه وشخصٍ آخر يُطعِم عشرات الأفواه وإن لم يُحصروا معه في بيته! وبين أخذ خُبزةٍ كاملة أو اثنتين أو أكثر من مخبزٍ!

ومنذ عام 2017م والمواطن العماني ذي الدخل المتوسط والبسيط – والذي هو يمثل النسبة الأكبر من الشعب- كانَ يتذمر من رفع تسعيرة البترول، واستمر التذمر أكثر حين تمَّ تشبيه الفارق في السعر بسندويشة شاورما بينما هناك بيوتٌ لايأكل أهلها الشاورما إلامرةً في الشهر أو الشهرين! وصَمَتَ المُواطن ألماً وخجلاً حين فقدت عُمان باني نهضتها فخسارته العظيمة قَد خدَرته حُزناً، وعندما شعَ الأملَ نوراً في سماءِ الوَطن امتلأت قلوبهم مِن جَديدٍ بالأماني الجميلة التي كانت تَعدهم بأنَّ القادم أجمل.

ولَكِن القَادِم الأجَمل لَم يأتِ خَوفاً من كورونا الذي ناورَ العالم فجأة بِسطوٍ غَيرِ مسلحَ ومسح السطور، فأصبحتِ الصفحات بيضاء غير نقية والقارئ فيها لَم يَعُد يفقه معانيها، وحينَ بدأ بكتابتها مُجدداً على ظِلال الممسوح كَتَبَ ما هو غيرُ شافٍ وغيرُ كافٍ!

وزاد البلاءُ مع خُصومات الرواتب لما يقارب نصف العام للبعض وللبعض الآخر أقل أو أكثر، وفقدُ الوظائف لآخرين، مع زيادة قيمة المواد الاستهلاكية خاصة الفواكه والخضروات والأسماك واللحوم، ثم إيقاف التوظيف، وارتفاع فواتير الماء والكهرباء الخيالية، والمواطن لازال "بالع موس وساكت" ولا "يتقمقم" منهم إلا القليل، والأغلب ينتظر الشمس تشرق ليخرج من حَلكةِ الليل ولكنه زادَ سواداً في عيونهم مع قانون الـ325 ريالاً كأدنى حد للرواتب دون حسبان للدرجة العلمية، ثم خَصم الرواتب الشهرية لصندوق الأمان الوظيفي الذي تقبلوه رُغم أنوفهم، ثم قانون قيمة الضريبة المضافة، ورَفع الدعم عن فواتير الكهرباء والمياه لفئات مخصصة وكأن فئة الـ1250 لديهم نفس المسؤوليات وعدد الأفواه! ناهيك عن الرقاب التي ترقد تحت سيوف القروض والفوائد الربوية التي تربط رؤوسهم بمشانق معلقة كُل واحدٍ منهم يَقفُ على كرسيٍ بثلاثةِ أقدام مُجاهداً لموازنة نفسه مَعَ كل ريحٍ تأتيه حتى لا يسقط للموت. كل ذلك ولازالت أصواتُ الثابتين على الأرض تَصرُخُ "خُذوهُ فَغُلوه"! وأصبح المواطن من أهل الذِمة والمستأمنين في وطنه!

والدول التي تفرض الضرائب لدعم السياسات التنموية وللارتقاء بجودة الخدمات مواطنيها متوسط دخل الفرد المتوسط أعلى مِنِّا، ولا غلاء معيشي متوقد لديهم، أو شروط تعجيزية ورسوم خيالية لفتح مشاريع تجارية، أما المشاريع المنزلية فهي مفتوحة للجميع!

وحفاظاً على سلامة المواطن، فإنَّ التعمق في دراسة القوانين من جوانب مختلفة حسب تصنيف المواطنين قاعدة أساسية واجبة قبل الطرح، فنسبة التضرر تتفاوت حسب الظروف الاجتماعية المادية، وإلا فإن السلطنة ستسجل أعلى نسبة في الوفيات بالجلطات القلبية والسكتات الدماغية، وحتى الخلافات الأسرية.

أما تَكمِلةَ "لا مِساس" فهي "وإن لَكَ مَوعداً لَن تُخلِفهُ" نَزَلَت عُقوبة للسامري على صنعه عِجلاً جَسداً لِهُ خِوارٌ وَقالَ: هذا إلَهُكُم وإلهُ مُوسى، ولا تعني- من الناحية القرآنية- المساس بشخص أي إيذائه أو إلحاق الضرر به، بل المعنى القرآني يشير إلى الهجران والعزلة الإجبارية عقاباً للمخالف.