جابر حسين العماني
عرف الإنسان العماني بحبه وشغفه واهتمامه بالموروثات العمانية التقليدية الأصيلة التي توارثها من الأجداد والآباء، فحافظ على القلاع والحصون التأريخية والمناديس والحلي والفضيات والسعفيات وأدوات البحار، وكل ما يحكي عن ماضي عُمان العريق.
ومن بين تلك الموروثات التقليدية الأصيلة التي اهتم بها الإنسان العماني اهتماماً بالغًا: "الخنجر العماني" والذي يعده العمانيون اليوم من الموروثات القديمة والعريقة التي برع وأبدع الإنسان العماني في صناعتها وزخرفتها، فكان ولايزال الخنجر العماني يحتل مكانة خاصة ومرموقة في الحياة العمانية، فلا تذكر الرجولة والشهامة والبطولة إلا ويذكر الخنجر العماني المزخرف بعبق التراث العماني العريق، بل ولا تكتمل الأناقة الذكورية في سلطنة المحبة والمودة والوئام إلا بالزي العماني الأصيل الذي يتوسطه الخنجر الأنيق بجمال سيفيه وإبداع حزامه المنقوش من الفضة الخالصة، قال أمير البيان الإمام الهمام علي بن أبي طالب: "السَّيْفُ وَالْخَنْجَرُ رَيْحَانُنَا// أُفٍّ عَلَى النَّرْجِسِ وَالْآسِ".
فالخنجر العماني اليوم يعد شعارا للدولة العمانية، وهو رمز من رموز الرجولة والقوامة والقوة والصلابة والغلظة في الدفاع عن النفس والعرض، وهو ما يفتخر به العمانيون عبر العصور، فلا تقبل المرأة العمانية أن تزف إلى بيت زوجها إن لم تر زوجها مرتدياً الخنجر العماني في يوم زفافه، لذا فإنَّ الخنجر العماني في الأعراف العمانية لا زال يحتل جانباً مرموقا في وجدان الرجل العماني وكذلك المرأة العمانية، بل ويشكل له تراثاً أصيلاً وعميقا ممتدا عبر القرون، فهو ليس مجرد زي عماني رسمي يرتديه الرجل العماني فحسب بل هو رمز للأصالة والحضارة العمانية التي تحكي لنا عبق التاريخ وجمال الحاضر، وبما أن الخنجر العماني رمزا من رموز الأصالة العمانية فهناك مساعٍ حثيثة من الدولة العمانية لتثبيت الخنجر العماني في القائمة العالمية لليونسكو.
إنَّ المتأمل في تأريخ عُمان ما بين الماضي والحاضر يجد أنَّ كل من تشرَّف بزيارة عمان أعجب بتراثها الأصيل، فقد جاء في الموسوعة العمانية (المجلد الرابع): أن الكثير من الرحالين الأوربيين الذين زاروا سلطنة عمان لفت انتباههم جمال الخنجر العماني بكل تفاصيله ودلالاته التراثية الأنيقة والجميلة. وقد كتب روبرت بادبروغ Robert Padbrugge وهو ممثل شركة الهند الشرقية الهولندية المستعمرة سابقاً في شرق آسيا، واصفاً اللقاء الذي جمعه مع الإمام سلطان بن سيف اليعربي عام (1082 هـ) (1672م) فقال: "كان جلالته يرتدي حزاماً حول وسطه وضع فيه خنجرا مغطى بخيوط حريرية بشكل تقاطعي".
وقال ويستلد Willsted واصفاً أيضاً الرجال العمانيين عام (1250 هـ) (1835 م) بأنهم يلبسون خناجر تبلغ عشرة إنشات وكان النصل مزخرفاً بالذهب لدى من يستطيع تحمل تكلفته. أما في عام (1279 هـ) (1863م) فقد وصف بالجريف W.C Palgrave السلطان ثويني عندما رآه في قصره في مسقط بأنه كان يلبس خنجراً ذهبياً فخماً في حزام مرصع بالأحجار الكريمة.
وهنا يعي القارئ الكريم أن كل ما ذكرته الموسوعة العمانية وغيرها من المصادر التأريخية من أحوال الرحالة الذين تشرفوا بزيارة عمان ما هو إلا شيئا قليلا في حق ما شاهدوه ودونوه من التراث العماني الأصيل الممتد عبر الحضارات والذي كان العمانيون يثبتون من خلاله عراقتهم وأصالة جذورهم التأريخية عبر القرون، لذا فإنَّ سلطنة عُمان أصبحت تنفرد بتاريخها الحضاري الذي كان يعرف بالثقافة المتأصلة الموروثة التي ضربت جذورها عمق التأريخ والتي تدل على ارتباط أهل عُمان ببيئتهم ومجتمعهم وثقافتهم وذلك من خلال الحفاظ على أزيائهم وفنونهم وعاداتهم وتقاليدهم الخاصة التي يفخرون بها على الدوام، بل ويؤمنون أن التراث هو فقط من يعطي الشعوب هويتها التي تميزها عن بقية الشعوب الأخرى فيمنحها قيمتها الاجتماعية والعلمية والتربوية ليصنع بذلك حضارة مُتكاملة تقوم على أساس الخبرات المتكاملة على مر العصور لذا لابد من الحفاظ على التراث وحمايته من الاندثار.
ونحن نحتفل بالعيد الوطني العماني الـ50 لابد أن نرفع أيدينا متضرعين إلى الله تعالى أن يحشر المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد رحمه الله في جنات النعيم لما قدمه من إنجازات كبيرة للحفاظ على التراث العماني الأصيل وهو القائل: (وأن المحافظة الحقيقية على التراث لن تتم ولن تكتمل إلا بإعطاء كل مفردات هذا المفهوم حقها من العناية والرعاية). كما نسأله تبارك وتعالى أن يحفظ سلطان عُمان المفدى السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- وهو القائل: (يكفينا فخرًا أن نكون إحدى تلك الحضارات العظيمة التي خاطبها رسول الله (ص)، وإذا حصرنا من هم المخاطبين في ذلك الوقت فهم من أعظم الملوك والقياصرة).