ظاهرة الإجرام لدى الفرد

د. مصطفى راتب

أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية 

الجريمة سلوك قديم قدم المجتمع البشري فمنذ خلق الإنسان ووطئت قدماه الأرض ارتكب الجريمة ولازمت سلوكه، فرغم قلة عدد المُجتمع البشري آنذك وقلة تشابك العلاقات الاجتماعية وتعارض المصالح فيها نجد أحدهم يُقدم على جريمة قتل أخيه، كأن الجريمة سلوك بشري فطر عليه الإنسان مثلما فطر على الخير والعطاء، وهو ما تتجلى فيه عظمة الخالق البديع حين خلق الخير والشر في النفس البشرية، قال تعالى: (وهديناه النجدين) حيث تتنازع بداخل الإنسان نوازع الخير والشر، فيصبح صالحاً إذا غلب الخير ويكون طالحاً إذا غلب الشر.

وعرف علم الإجرام بأنَّه: العلم الذي يدرس الجريمة والمجرم دراسة علمية كي يقف على عوامل وأسباب ظاهرة الإجرام لدى الفرد وفي الجماعة ويضع الوسائل اللازمة لعلاجها واستئصالها أو الوقاية منها أو مُكافحتها .

ولما كان مجال دراسات علم الإجرام يتمثل في دراسة الظاهرة الإجرامية للوقوف على أسبابها ودوافع ارتكابها لدى الفرد والجماعة والبحث في طرق مُكافحتها والوقاية منها، فإننا نعتقد أنَّ علم الإجرام يُعد من أهم فروع القانون الجنائي.

والجريمة هي كل فعل مُخالف لقاعدة جنائية في قانون العقوبات، وهي كل فعل أول امتناع يقرر له المشرع جزاء جنائياً يتمثل في العقوبة أو التدبير الاحترازي.

والمجرم هو من يرتكب فعلاً يُعد جريمة في نظر القانون، وما دام هذا الفعل لا يوصف قانوناً بأنه جريمة لا يُعد مرتكبه مجرماً مهما كان هذا الفعل مستهجناً أو محل استنكار من الجميع ولكن يشترط أن يكون قد صدر حكم قضائي بات يثبت يقيناً نسبة الجريمة لهذا الشخص .

وتعددت الدراسات بتعدد العلوم التي تهتم بالسلوك الإجرامي، وعليه فقد تعددت اتجاهات تحديد عوامل وأسباب هذا السلوك، فمنها ما اعتمد على الصفات البيولوجية للمجرم، ومنها ما يرتكز على السمات النفسية له، وبعضها يعتمد على الظروف الاجتماعية المحيطة به، ونتناول فيما يلي عددًا من هذه النظريات .

  1. نظرية لومبروزو

أكد فكرة الإنسان المُجرم عند لومبروزو أنه لاحظ عندما قام بتشريح جُثة مجرم قاطع طريق يدعى فيليلا من جنوب إيطاليا تجويفاً بقاع جمجمته بدلاً من البروز المُفترض وجوده في الشخص العادي، ولاحظ أنَّ هذا التجويف يشبه ذلك الذي يوجد عند القردة، مما دعاه إلى القول بأنَّ المجرم وحش بدائي (المجرم بالوراثة أو المجرم بالميلاد)

  1. نظرية دي تيليو (نظرية التكوين الإجرامي)

وتناول دي تيليو نظريته في تفسير الظاهرة الإجرامية في أحد مؤلفاته صدرت في العام 1945 بعنوان "الاستعداد السابق للإجرام" أو ما اصطلح في الفقه العربي على تسميه بـ"التكوين الإجرامي".

ودي تيليو وإن اتفق مع لومبروزو على وجود المجرم بالتكوين إلا أنَّه أنكر اعتباره العامل الوحيد للسلوك الإجرامي، وإنما يشكل مع غيره من العوامل الاجتماعية عاملاً مركباً للسلوك الإجرامي.

  1. نظرية فرويد في التحليل النفسي

نظرية التحليل النفسي لسيجموند فرويد لا تعتبر أن تغلب الذات الشهوانية على الذات العليا أو المثالية هي السبب الوحيد لانحراف الفرد نحو سلوك الجريمة، بل قد يرجع السبب إلى وجود عقد نفسية كامنة في اللاشعور والتي قد تحدث اضطراباً في التوازن النفسي للفرد مما قد يدفعه إلى ارتكاب الجرائم. ومن أهم هذه العقد، عقدة أوديب، عقدة الكترا، عقدة النقص، عقدة الشعور بالذنب، وغيرها...