يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"هذا الكتاب الذي ينتهج الوصف والتحليل قد أرسى سبيلاً إلى تناول "العنوان" في مباحثه اللغوية والدلالية فضلاً عن حسن توظيفه مصادره ومراجعه التي تتبعها بدقة الباحث الذي يسعى إلى الوقوف على ما تقدمه تلك من مادة وزعها منهجياً على مقتضيات ما التزم به" (1) د. سعيد جاسم الزبيدي.
أي كاتب سواء كاتب مقال أو مؤلف كتاب أو باحث أكاديمي أو ما شابه، لابد أن تكون أهم اهتماماته قبل أوأثناء أو حتى بعد انتهاء عمله البحثي أو كتابته لمقال هو اختيار عنوان المقال أو الدراسة أو الكتاب أو حتى البحث، لذلك تبرز أهمية اختيار العنوان لأنه يدل على الفكرة العامة للمكتوب أياً كان مقال / كتاب / رسالة علمية إلخ.
لذلك سيكون من المفيد قراءة كتاب يتحدث عن العنوان وسيمياء العنوان، والسيمياء هي على طريقة سيماهم في وجوههم أوكما قال تعالى: سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ (سورة الفتح 29).
قبل أيام وصلني عن طريق منصة زاد المعارف كتاب قيِّم ومُفيد للمهتمين بعلوم اللغة العربية وهو كتاب: سيمياء العنوان في كتب اللغة المطبوعة حتى نهاية القرن الرابع الهجري. للمؤلف: سليمان بن صالح الراشدي، والكتاب عبارة عن رسالة ماجستير بقسم اللغة العربية في جامعة نزوى بسلطنة عُمان.
جاءت الدراسة لتجيب عن مجموعة من الأسئلة هي: كيف نوظف النظرية السيميائية للوصول إلى دلالة العنوان؟ ما الوظائف التي يؤديها العنوان؟ ما النقد الموجه إلى العنوان؟ (2).
وتتكون الدراسة من أربعة فصول مع المقدمة والخاتمة، أما مدخل الدراسة فهو عن مفهوم العنوان كلغة واصطلاح، وبها مباحث متنوعة وقليل من الدراسات كما علمت ركزت على العنوان كلغة واصطلاح كما في الدراسة المتخصصة، زائد أنها تفتش عن ماهية السيمياء للعناوين أو كما يكتبها الباحث (عنوانات) حتى نهاية القرن الرابع الهجري، ولاحظت في ببلوغرافيا الكتاب العدد الكبير من المصادر والمراجع، وأعتقد أنَّ هذه الدراسة وكرأي غير مُتخصص لكنه رأي قارئ مرت عليه كثير من الكتب، أنَّ هذه الدراسة تصلح كرسالة للدكتوراه وليس للماجستير، نتيجة البحث المُكثف وشكل الدراسة ومضمونها وكمية المعلومات المثرية التي احتوتها، والتي حتى غير المتخصص يستفيد منها ويستطيع فهم ماهيتها.
غالباً ما تكون الكتب ذات المنهج المتخصص أو الكتب المختصة بعلم ما سواء بالعلوم التجريبية أو الإنسانية ليست رائجة لدى القراء سوى المهتمين سواء كمختصين أو هواة، لكن في هذا الكتاب كما لاحظت وقرأت هناك تبسيط للمعلومة في طريقة عرضها مما يُعطي القارئ غير المتخصص أريحية أثناء القراءة، بمعنى آخر لا يعتبر نفسه غريباً أوضيفاً ثقيلاً على المادة المقروءة، لكنه في حال القراءة المركزة سيفهم كثيراً كما في الكتاب ويستوعب مصطلحاته.
كتب فوزي هادي الهنداوي ذات مرة: العنوان هو الأداة التي يتحقق بها اتساق النص وانسجامه، وبها تبرز مقروئية النص، وتنكشف مقاصده المُباشرة وغير المباشرة. في ضوء ذلك يرى البعض أن النص هو العنوان، والعنوان هو النص، وبينهما علاقات جدلية وانعكاسية، أوعلاقات تعيينية أوإيحائية، أوعلاقات كلية أو جزئية. (3)
أيضاً سأتحدَّث عن أمر كثيراً لم ينتبه له أوعلى الأقل لم يولى الاهتمام اللازم، وهو يبدأ بسؤال: هل ستنتهي كل العناوين للأعمال المكتوبة (مقال/ كتاب/ بحث.. إلخ) ما الذي سيحدث مستقبلاً هل ستتوقف كتابة عناوين للكتب والمقالات؟
سأذهب إلى فكرة أخرى إنما جوهريا هي واحد، ففي بعض المدن الكبرى وأعطيك باريس عاصمة بلاد النور كثير من الأحياء والشوارع مُرقمة وليست لها عناوين لفظية كأسماء أشخاص أو مناطق، إنما الدائرة الأولى أو الجادة الخامسة والشارع السابع وهكذا، وأعتقد أن هذا للتغلب على طريقة تسمية الشوارع بأشخاص أو مسميات قد لاتكون مستحقة، وسأنقلك أيضاً إلى منطقة أقرب من باريس، ففي الكويت يتندر الكثيرون على اسم شارع اسمه شارع قصي، من هو قصي، الله أعلم!
لذلك لو ندخل في حوارات ونقاشات حول العناوين لن ننتهي، وأتوقع مستقبلا تفوق نسبة الشوارع المرقمة أو الأحياء المرقمة على المعنونة بأسماء وأماكن، العالم يتطور ويتغير بسرعة، اليوم عصر التكنولوجيا وبجهاز يدوي صغير تضعه بأصغر جيب في لباسك تسافر وتستطلع العالم كله، إننا في عصر اللا معقول، سمعت مرة أن حتى الهاتف اليدوي سيكون جزءًا من الماضي ولا نعلم إلى أين ستذهب بنا تطورات العلم، والسؤال بما أنّ المقال عن العناوين أو العنوانات على رأي الأستاذ الراشدي مؤلف الكتاب: هل سيحدث تطور في اختيار وعنونة العناوين مستقبلاً؟
والله أعلم!
_____________
- من مقدمة الكتاب.
- صفحة 11 نفس المصدر
- د. فوزي هادي الهنداوي: أستاذ بكلية اللغات في جامعة بغداد، مقال: "سيمياء العنوان في النصوص الإبداعية"، جريدة الزمان (لندن) 26 أكتوبر 2016.