الدول المصدرة للنفط تواصل تسجيل مستويات مرتفعة من الاقتراض

الديون ترهق كاهل الاقتصادات العربية وتعرقل جهود الخروج من الركود

ترجمة - رنا عبدالحكيم

سلَّط تقريرٌ نوعيٌّ نشرته مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية الضوءَ على ما تواجهه الدول العربية، خاصة المصدِّرة للنفط والغاز، من تحديات متفاقمة بسبب تضخم مستويات الدين العام؛ الأمر الذي يُرهق كاهل هذه الاقتصادات ويُعرقل جهود الحكومات للخروج من حالة الركود التي ضربت الاقتصاد العالمي جرَّاء تفشي فيروس كورونا، والتراجع الحاد في أسعار النفط.

ويبدأ التقرير من الأوضاع في مصر؛ حيث يقول إن السياح لم يعودوا إلى شواطئ مصر ومواقعها التاريخية، لكنَّ المستثمرين في الديون عادوا. فمنذ مايو الماضي، استحوذ الأجانب على أكثر من 10 مليارات دولار من الديون بالعملة المحلية (الدولار يعادل 15.65 جنيه مصري)؛ مما عكس عمليات البيع التي حدثت في الأيام الأولى من وباء كوفيد 19. وثمة حماس مماثل في جميع أنحاء المنطقة؛ حيث أصدرت الدول الست في مجلس التعاون الخليجي 100 مليار دولار من الديون العامة وديون الشركات الحكومية في الأشهر العشرة الأولى من العام، وهو رقم قياسي. وفي المقابل، تغازل سندات الخزانة المستثمرين المحليين أيضًا، وإن لم يحقق ذلك النجاح دائمًا؛ إذ رُفض طلب الحكومة التونسية عندما أرادت من البنك المركزي شراء سندات الخزانة.

وتغرق الدول العربية في دوامة من القروض؛ فحتى قبل تفشي "كوفيد 19"، لجأ العديد منها إلى الاقتراض لمواجهة التراجع الحاد في أسعار النفط، وتحفيز الاقتصادات الراكدة. وتسبب الوباء في زيادة احتياجات هذه الدول من الأموال. وبحلول العام المقبل، ستقفز نسب الدين العام في العديد من البلدان العربية لأعلى مستوياتها في عقدين. وتسجل 11 دولة مصدرة للنفط والغاز في المنطقة ديونا بمتوسط ​​25% من الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة من 2000 إلى 2016. وفي العام 2021، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تزيد هذه النسبة إلى 47%، غير أن هذه الزيادة في الدين العام أقل حدة في الدول غير المنتجة لموارد الطاقة؛ وذلك فقط لأنها تسجل بالفعل بعضًا من أعلى مستويات الديون في العالم.

لكنَّ الجيد في هذا الأمر أنَّ الديون ليست دائما مدعاة للقلق، فمثلا ستصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية إلى 34% العام المقبل، ارتفاعاً من 17% في 2017. وستتضاعف مستويات الدين في الكويت والإمارات العربية المتحدة تقريباً إلى 37% و38%. ومن حيث القيمة المطلقة، فإن هذه الأرقام منخفضة "بشكل مريح"؛ إذ لدى الثلاثة دول بنوك مركزية جيدة التجهيز أو صناديق ثروة سيادية قادرة على ضخ استثمارات.

بينما تبدو اقتصادات الدول الأخرى المنتجة للنفط أكثر اهتزازًا، فمن المتوقع أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البحرين إلى 131% العام المقبل، بزيادة من 34% في المتوسط ​​من عام 2000 إلى العام 2016.

ولا تقدم أسواق النفط سوى القليل من الأمل لميزانيات هذه الدول؛ حيث أدى الإغلاق المتجدد في أوروبا وتزايد حالات الإصابة بكورونا في أمريكا إلى انخفاض أسعار الخام في أكتوبر.

وفي بلدان أخرى بالمنطقة، قضى الوباء على سنوات من الإصلاحات المالية، فبعدما توصلت مصر إلى اتفاق بقيمة 12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي عام 2016 نجحت في خفض الدعم وفرض ضريبة القيمة المضافة لتعزيز الإيرادات المالية للدولة. وخفضت نسبة العجز المالي من 11% من الناتج المحلي الإجمالي في 2016 إلى 7% العام الماضي. وكانت مصر في طريقها لخفض نسبة ديونها إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 79% في العام 2021. لكن تسبب الوباء في عودة مصر إلى صندوق النقد الدولي، حيث أبرمت اتفاقا احتياطيا بقيمة 5.2 مليار دولار. ومن المتوقع أن ترتفع ديونها في العام المقبل لتصل إلى 91% من الناتج المحلي الإجمالي. أما الأردن وتونس، فستسجلان ديونا بنسبة 89% و86% على الترتيب من الناتج المحلي الإجمالي.

ولا تقدم هذه القروض سوى عوائد محدودة للدول العربية، فأكثر من 70% من أحدث موازنة للكويت مخصصة لرواتب وإعانات القطاع العام، ففي مثل هذه الحالات تقترض الدول ليس لتمويل الإصلاحات، لكن للحفاظ على البيروقراطية المتضخمة. واتسمت الدول العربية بـ"البخل" في طرح حزم التحفيز لمواجهة تداعيات "كوفيد 19"، فقد خصصت الدول ما معدله 2% من الناتج المحلي الإجمالي لتقديم المساعدات ذات الصلة بالوباء، مقارنة مع 3% في الأسواق الناشئة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى القوة المالية المحدودة.

وساعد الاقتراض الدول العربية على التغلب على محدودية الموارد المالية، لكنه فاقم المشكلة؛ حيث تنفق مصر بالفعل ما يقدر بنحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي على خدمة الدين. ومن المتوقع أن تظل أسعار النفط منخفضة العام المقبل، ومن ثم سيتباطأ تعافي نمو القطاعات الحيوية مثل السياحة، وستحد أعباء الديون الثقيلة من قدرة الحكومات العربية على تحريك اقتصاداتها الراكدة.

تعليق عبر الفيس بوك