خلفان الطوقي
الأسبوع الماضي كان أسبوعًا غير اعتيادي على الساحة العُمانية، أسبوعاً فيه كثيرٌ من الأحداث والمعلومات المنشورة عن الوضع المالي الحساس للسلطنة، وفي نفس الأسبوع صدرت المباركة السامية من السلطان هيثم بن طارق - أيده الله - للبرنامج الوطني للتوازن المالي الذي يهدف إلى زيادة الموارد المالية وضبط الصرف الحكومي وإيقاف الهدر، وقد سبق ذلك المرسوم السُّلطاني لقانون ضريبة القيمة المضافة المزمع تطبيقها في أبريل ٢٠٢١م، ومن المتوقع أن تعلن الحكومة عن تفاصيل خطة برنامج التوازن المالي في الأيام القادمة.
تعتبر خطوة إقرار البرنامج الوطني للتوازن المالي في هذا التوقيت في المسار الصحيح، وإن تأخر قليلاً، لكن إقراره في غاية الأهمية للمحافظة على الموقف المالي للسلطنة، وإبعادها عن شبح القروض القياسية المستمرة والمبالغ فيها التي قد تتجاوز ٨٠ ٪ من قيمة الناتج المحلي في نهاية ٢٠٢٠م، وإلى ١٣٠٪ في عام ٢٠٢٥م في حال استمرت السياسات على ما هي عليه الآن دون مُراجعة، والتي من آثارها إضعاف قيمة العملة، وتجفيف السيولة المالية المحلية، وإيفاق العجوزات المالية التي وصلت لحدود ٥ ملايين ريال عماني سنويا.
توقيت إقرار البرنامج يأتي في ظروف استثنائية وحرجة، فقد تكالبت الظروف من كل صوب وحدب من تذبذب ونزول أسعار النفط عالمياً من عام ٢٠١٥م إلى حينه، ومع استمرارية فيروس كورونا، وارتفاع الدين العام والعجوزات المالية لمستويات حرجة، وما ترتب على ذلك من تحديات في الترقيات لموظفي الدولة، وتقليل المشاريع الحكومية من جهة، وتأخر صرف المستحقات للمقاولين الذين نفذوا المشاريع الحكومية من جهة أخرى، وقس أثر ذلك على بقية سلسلة التوريد والتنفيذ وبقية الأعمال الفرعية لمقاولي الباطن، وأثر ذلك على الفرد في كافة نواحي حياته اليومية.
الأثر النفسي قبل المالي طال الجميع من مواطن ومقيم وموظف تقاعد أو باق وتاجر محلي ومستثمر وافد حالي ومستهدف، بعبارة مختصرة، فإنَّ الأثر طال وسيطال الجميع بنسب متفاوتة، وعلى المسؤولين عن برنامج التوازن استشعار ذلك، ومُراعاة حساسية الحالة النفسية قبل المالية من خلال عدة خطوات.
أهم هذه الخطوات: إعداد خطة التواصل المجتمعي تشارك بها الحكومة متضامنة بشكل جماعي، وتوقيت الإعلان، واللغة المستخدمة، وتحديد حدود المصارحة المجتمعية، والخطط التنفيذية المصاحبة الجادة من حيث طرح الحزم التحفيزية الاقتصادية، وتنمية العملية الإنتاجية في المؤسسات الحكومية المختلفة وتجويد كافة الخدمات المقدمة، وتحديد الجدول الزمني للتنفيذ، وتسمية الجهات المسؤولة عن التنفيذ، فاستعادة الثقة عملية ليست سهلة بل تكاملية وتشمل الجزرة قبل العصا، وتحتاج إلى جراحين مهرة وملمين بكافة الجوانب الحساسة وبإمكانهم توقع مختلف ردات الفعل المجتمعية، وكيفية التعامل معها وامتصاصها، عليهم عدم الاكتفاء بمصارحة المواطن والمقيم والمستثمر المرتقب من أفراد أو مؤسسات بجزء من الحقيقة، وإنما يكمن الذكاء الحكومي بل ويتطلب جعل جميع مكونات المجتمع والمتابعين للشأن العُماني جزءا داعما ومساندا لبرنامج التوازن المالي ومبادراته المختلفة.