عندما فكرتُ في نشر كتاب!

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"ليست الصحافة إلا وليدة البيئة وصورة العصر ومرآة تنعكس على صفحتها بدوات المجتمع ونزواته" محمود تيمور.

كثيرون يتصورون أنَّ أيِّ كاتب صحفي يجب أو يُستحب أن يُوثق مقالاته في كتاب، وممكن بحسب أعداد المقالات قد يصل الأمر إلى تأليف أكثر من كتاب، وفي الواقع بالفعل هناك من يقوم بذلك، ونجح في خطته وتباع كتبه ولها رواج، إنما أغلبية كتاب المقالات لم تحقق الكتب الموثقة لمقالاتهم رواجاً يذكر، بل كانت أغلب الكتب حبيسة أرفف المكتبات البائعة، لا تحركها يد قارئ يريد شراء الكتاب، هذه الحال الحقيقية بشهادة أكثر من مسؤول دار نشر، وبعض الكتاب الذين خاضوا التجربة!

وحتى أضع النقط فوق الحروف، وأبين الفكرة بشفافية لا أعتقد أني ككاتب صحفي وصلت إلى مرحلة تتطلب توثيق ما أكتب في كتاب مطبوع- أقصد مقالاتي- لأنّ مستواي في الكتابة وقبل ذلك مستوى ما أكتب لا أتذكر أنه تم تقييمه فنياً من قبل اختصاصيين، لذلك من الظلم للقارئ أو المتسوق في سوق الكتب أن يبتاع كتاباً لم يتم تقييم محتوياته بشكل واضح، وبنفس الوقت هي مقالات لاتصل إلى أكثر من أنها وجهة نظر قد تخيب قبل الإصابة؟ لذا المعروف أن هناك معادلة ثلاثية الأطراف [الكاتب/ الناشر/ القارئ] متى ما أرتبك عنصر بها أرتبك البنيان بالكامل، لذلك وبثقة أقول لم يأت موعد نشر كتاب لما أكتب، القضية لاتحتمل المجاملة، والربت على الكتف، القضية أعمق من ذلك، إذ علينا مسؤولية دعم وتشجيع الكتابات المفيدة وتوثيقها بكتب، كتابات تعبر عن فكر، عن دراسات علمية وإنسانية مرموقة، يقرأها القارئ أكثر من مرة، ويتشجع ليجعلها عنصرًا أساسياً على رفوف مكتبته المنزلية، وليس دعم وتشجيع مقالات لايتعدى محتواها رأيا عابرا أو وجهة نظر!

قبل سنوات وردت في بالي فكرة أن أنشر كتابا، وكانت المتكأ الأساسي في ذلك، المقالات التي كتبتها وفكرت أن أجمعها في كتاب، وما أقصده مقالاتي في جريدة  "الجريدة" الكويتية، ووجدت أن الأمر يستحق، حيث المقالات أكثر من 150 مقالا تقريبا وربما أكثر، وهي بدايتي في الكتابة الرسمية المنشورة.

وضعت خطة لموضوع الكتاب وأن تكون كل محتويات الكتاب هي المقالات فقط التي نشرت في  الجريدة وبدون زيادة، أي أنه كتاب يحوي مقدمة وبعدها تسلسل المقالات؛ كأي كتاب للمقالات.

بعد هذه الفكرة تحدثت مع صاحب دار نشر وأوضح لي أنَّ الموضوع لا يستحق التعب، كتاب مقالات كثر نشروا كتب مقالات ولم تجد رواجا وانتشارا، ولم يتقبل الرجل الفكرة أصلاً.. بالطبع هو يتحدث من واقع يعايشه وحسابات مهمة وتكاليف متوقعة، زائد على ذلك أن الكاتب يجب أن يساهم في تكلفة التجهيز والطباعة والنشر. كنت أتوقع أن يتم منحي مبلغاً من المال نظير الكتاب وأستفيد ماديًا، لكن الوضع لم يكن على قدر التوقعات، فوجدت الأمر أمام عدة احتمالات، زائد تكلفة مادية أمام عائد غامض قد لا يحقق- في أفضل الأحوال- نصف القيمة، وبالتالي لو تحسبها خاسرة تجارياً، وكترويج تحتاج منصات دعائية وإعلانية مكلفة أمام دور نشر ليس لديها استعداد لدفع تكاليف باهظة لكتاب احتمالات عدم رواجه أكثر من رواجه.

الكتابة الصحفية ليست كتابة متخصصة، بل تعتمد على عدة أمور مترابطة، ففي أحد اللقاءات قال الروائي السوري والصحفي حسن حميد: أظن أن الكتابة والصحافة عمل واحد مشطور إلى ضفتين، لكل منهما خصوصية ومميزات ومتطلبات، ولكل منهما مشتركات مع الآخر! الفارق بين الإثنين يبدو في الدرجة، والطقسية، والاهتمام (1).

تحسبها تجارياً تجد أني كتبت بعدها في عدة منشورات، فكرت أن أجري فرزا للكتابات، كل وسيلة نشر نشرت بها أضع ما كتبت فيها في كتاب واحد؛ أي بإمكاني نشر أربعة كتب في وقت واحد، والمادة جاهزة، إضافة إلى أنني أتبعت خطاً لم أحيد عنه إلا نادرا، وهو اعتماد التعامل مع الجهات الرسمية فقط، أي أن الناشر يكون جهة إعلامية معتمدة وذات مكانة وسمعة، تملك إمكانيات وخبراء يقيمون المقال قبل نشره لغوياً وقانونياً وسياسياً كذلك، لأني ككاتب يخدمني الناشر المتمكن القادر على فرز الغث من السمين، كذلك من يملك قاعدة معقولة من القراء.

فكرت أن أجمع مقالاتي المنشورة في "القبس" في كتاب، ومقالاتي في كل من "آفاق" و"أكاديميا" في كتاب، ومقالاتي في "ArabTimes" في كتاب باللغة الإنجليزية، كذلك لدي مقالات ليست قليلة لم تنشر لظروف مختلفة، أيضاً هناك فكرة لضم مقالات منشورة تتطرق لمواضيع أدبية وبعض العلوم الإنسانية، وأضيف إليها عدة مقالات لم تنشر كتبت في السياق ذاته، ويمكن أيضًا وضعها في كتاب. ثم فكرت أنني لو نفذت تلك الأفكار فلن تتحملني أي دار نشر، بل أنا نفسي لن اتحمل نفسي! (أعجب دائماً من الكتاب ناشري الكتاب تلو الكتاب دون محتوى حقيقي ومُفيد للقارئ، فقط قص ولزق!)

كانت المخطوطات وبعدها تطور الوضع لورق الكتان وصولاً للورق حتى أصبحت الشاشات الإلكترونية ملاذاً للكثيرين، لذلك في اعتقادي أنَّ قرار تجميع مقالات في كتاب مسألة مليئة بالمُغامرة، على الأقل في وقتنا الراهن، صحيح أني فكرتُ في المسألة والنية في الخاطر للتوقف النهائي عن الكتابة قريباً، وهذا يجول في خاطري، أي على الأقل أوثق ما كتبت للأجيال القادمة، أو لأحفادي، لكني أظن أنه من الصعوبة بمكان رواج مثل هذه الكتب!

***************************

1- مقال: ما بين الصحافة والأدب- كيف يستطيع الكاتب المزاوجة بين الإثنين وأيهما يسيطر على الآخر؟ جريدة عمان (سلطنة عمان) الكاتب: بسام جميدة "دمشق "، نشر في 21 يناير 2018.