واقع وتحديات هيكلة الجهاز الإداري

عيسى بن سعيد الصلتي

issa.alsalti@icloud.com

بهدف تقليص الجهد والوقت والمال تسعى الكيانات الحكومية في مختلف دول العالم إلى إعادة هيكلة جهازها الإداري ليتكيف مع كل مُتغير اقتصادي وسياسي وثقافي واجتماعي، تلبية لتطور كل مرحلة من مراحل التقدم العلمي والتقني المتسارع الذي أحدث تغيرًا في خارطة العمل التنظيمي والإنتاجي بتوليد أفكار مُتجددة تلبي احتياجات البشرية في الحاضر والمستقبل، وتتماشى مع تطوراته الفكرية وابتكاراته العلمية.

ومن هنا جاءت الحكمة السلطانية لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- فأصدر مراسيم سامية بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وكما يعلم الجميع أن إعادة الهيكلة ودمج الجهات ذات التقاطع في الاختصاصات والأهداف هي وسيلة تنظيمية لتحقيق الأهداف المستدامة لرؤية عمان ٢٠٤٠، وتهدف كذلك إلى جملة من الأهداف منها تحسين الأداء الحكومي ورفع كفاءة العاملين فيه وحسن إدارة الموارد البشرية والمالية، وتحقيق مفهوم اللامركزية، وتجويد المنتج وغيرها من الأهداف التي تحقق الاستدامة.

ولكي تتحق الأهداف والتطلعات والآمال المرجوة، علينا الابتعاد عن المفهوم الإداري القديم، القائم على فرض السيطرة وتصدر المشهد الإداري في المؤسسة، وأرى من وجهة نظري الشخصية، أن تحقيق تلك الأهداف السامية، يتطلب أن تتبنى مؤسسات الدولة مفهوم الإبداع الإداري والذي يُمكن أن أفسره بأنَّه قدرات عقلية لدى مجموعة من الأشخاص، في ابتكار أفكار جديدة بالكلية تغير من العمليات الإدارية والفنية والإنتاجية والخدمية، قادرة على استشراف المشكلات ووضع الحلول المسبقة، والقدرة على التغيير والتجديد في الأساليب والوسائل، ومن ثمَّ المقدرة على استحداث المنهجية التي تتسم بخطط تنفيذية قادرة على التكيف مع أي مُتغير وقادرة على إيجاد الحلول والبدائل فيما سيواجهها من مشكلات.

والإبداع الإداري على مستوى العاملين هو قدرة المديرين والعاملين على استثارة إمكاناتهم الفكرية والعقلية لإيجاد أفضل الأفكار التي يمكن أن يزودوا بها المؤسسة في تغيير الآليات الإدارية القديمة إلى آليات حديثة مبتكرة تساهم في تطوير العمل والإنتاج، وعلى مستوى المؤسسة هي مقدرتها على استثمار كوادرها البشرية ومواردها المالية وتهيئة البيئة الداخلية لمناخ التغيير والابتكار، لتقديم ما هو جديد وحديث لمتلقي الخدمة.

إلا أنَّ هذا الأمر مما لا شك فيه يواجه بعض التحديات والعوائق، منها رغبة بعض القيادات الإدارية الوسطى في المحافظة على نسيج الهوية الاجتماعية والثقافية التقليدية للمؤسسة، وكذلك الخوف من نشوء صراع ثقافي وفكري بينها وبين الداعين إلى التطوير والتغيير من العاملين، إذ الإبداع سيحدث تغييرا في الثقافة العامة للمؤسسة، كما سيحدث تغييرا في فلسفتها الفكرية، وهناك تحد آخر وهو عدم الاستعداد الذهني والفكري لدى البعض للتغيير نحو عمليات إدارية وفنية جديدة.

وعدم الرغبة في تغيير المُمارسات والعمليات الإدارية القديمة، خوفاً لدى بعض المديرين من فقد السلطة وبريستيج المنصب، وفقد مميزات إدارية ومالية يتمتعون بها، والتعلل بالمصاريف المالية في عملية تطوير المؤسسة والعاملين فيها بالتأهيل والتدريب.

وللتغلب على هذه العوائق والتحديات، أقترح من وجهة نظري إنشاء دائرة مُختصة تعنى بالإبداع والابتكار، تكون إحدى مهامها توعية جميع العاملين في المؤسسة للانطلاق نحو الإبداع الإداري الذي أصبح ضرورة حتمية، ويمكن أن تعقد اللقاءات والورش التدريبية التي تساعد في تغيير الصور الذهنية لدى العاملين من تصورات سلبية إلى الإبداع الإداري ذي الطابع الإيجابي، كما تكون من مهامها تحفيز العاملين على توليد الأفكار وتجميعها ووضع تصورات تنفيذها وما تحتاجه من موارد بشرية ومالية للتنفيذ.

وأرى كذلك أنَّ على المؤسسة أن تلتزم بتكليف العامل بالمهام المعنية بموقعه وتخصصه الوظيفي، وألا توكل له الأعمال التي ليست من ضمن نطاقه الوظيفي، لإعطائه فرصة التجديد والتطوير والإبداع في أفكاره بل ومطالبته بذلك، واختيار القيادات الإدارية المنفتحة، التي ترى في التغيير والتجديد عاملين مهمين نحو الإبداع الإداري.

وكذلك استحداث هيكليات تنظيمية تضمن التطور الوظيفي للمديرين والعاملين، لتقطع وتمنع هاجس الخوف لديهم من أن الإبداع الإداري سيؤثر على مناصبهم وسلطتهم، كما يمكن صياغة وإعداد منهجيات عمل خمسية تضمن حقوق العاملين في المؤسسة كافة وتحديد مهامهم وواجباتهم واختصصاتهم، فبهذا تخلق المؤسسة مناخ عمل مهني تمارس فيه الأعمال بمهنية، فتتغير المخاوف إلى الاطمئنان ويتغير الإحجام إلى الإقدام نحو التطور والتجديد والإبداع في العمل.

 

وختاماً أرى أنَّ الإبداع عملية جماعية وفردية، فهي جماعية بتقبل الجماعات للفكر الإبداعي الذي يقدمه المُبادر للتغيير والتجديد من الأفراد، كما أن الإبداع في أي مجال إداري أو غير ذلك لا يرى النور إلا إذا آمنت به الجماعة كمجتمع أو مؤسسة عمل.

تعليق عبر الفيس بوك