الثقة المفرطة.. قِصَر نظر يدفع نحو عواقب وخيمة ونهايات أليمة!

ديفيد روبسون *

في أواخر الثمانينيات أراد عالم النفس القدير جيمز ريزون أن يقف على ما يدور من أفكار معيبة في أذهان مرتكبي حوادث الطرق.

نزل ريزون إلى الشوارع ومواقف السيارات في جميع أنحاء مانشستر، بالمملكة المتحدة، وطلب مما مجموعه 520 سائقًا تقدير عدد المرات التي ارتكبوا فيها مخالفات معينة. هل أخفقوا بشكل منتظم في التحقق من مرآة الرؤية الخلفية الخاصة بهم، على سبيل المثال؟ أو أنهم دخلوا المسار الخطأ عند الاقتراب من تقاطع؟

وإلى جانب كَمّ الأخطاء والانتهاكات، طُلب إلى المشاركين أيضا تقدير مدى قدرتهم على القيادة مقارنة بالآخرين. وما إذا كانوا أقل أو أعلى من المتوسط.

ونظرًا للمقدار الهائل من الوقت الذي يقضيه الكثير من الناس خلف عجلة القيادة، يساورك الأمل في أن يكون لدى معظم السائقين على الأقل بعض الوعي بحجم قدراتهم الخاصة.

ومع ذلك، وجد ريزون أن هذا الأمل ليس في محله؛ فمن بين السائقين الـ 520، اعتبر خمسة فقط أنهم كانوا أقل من المتوسط، أي أقل من واحد في المئة.

أما البقية -515- حتى السائقين البائسين الذين كانوا باستمرار يرتكبون أخطاء، فقد اعتبروا أنفسهم جيدين، واعتقد الكثيرون أنهم كانوا أفضل كثيرا. لقد كان السبب بشكل أساسي هو وهْم كبير أعماهم تماما عن رؤية إخفاقاتهم الخاصة.

وبعد ثلاثة عقود، قام علماء النفس بتوثيق مستويات ثقة مضللة مماثلة للعديد من الصفات والقدرات المختلفة. فنحن نميل إلى الاعتقاد بأننا أكثر ذكاءً، وإبداعًا، ولياقة بدنية، وأننا يمكن الاعتماد علينا، وأننا متعقلين، وصادقين، وودودين أكثر من معظم الناس (وهي ظاهرة تعرف غالبًا باسم "التأثير الأفضل من المتوسط").

ويقول إيثان زيل، أستاذ علم النفس المشارك في جامعة نورث كارولينا في غرينسبورو، والذي أجرى تحليلاً استعرض فيه الدراسات التي أجريت حتى الآن: "إن الأدلة قوية للغاية -بل بشكل غير عادي".

ويرى إيثان أن قوة ظاهرة التأثير جعلتها مفضلة في الفصول الدراسية. "فهي أساساً لا تخفق أبدًا. فإذا قمت بإعطاء الطلاب استبيانًا يقيّمون فيه أنفسهم بالنسبة إلى المتوسط، فإن الجميع تقريبًا في الصف يعتقدون أنهم فوق المتوسط في كل شيء تقريبا".

وقد تكون عواقب ذلك وخيمة؛ فكما أشار البروفيسور ريزون ضمنًا، قد تؤدي الثقة المفرطة بمهاراتنا الذاتية في قيادة السيارة إلى قيادة محفوفة بالمخاطر وحوادث خطيرة.

وفي الطب، على سبيل المثال، يمكن أن تؤدي ثقة الطبيب المفرطة إلى خطأ تشخيصي قاتل. وفي القانون، يمكن أن تؤدي إلى اتهامات كاذبة وخطأ في تطبيق العدالة.

وفي مجال الأعمال التجارية، قد تؤدي الغطرسة الإدارية إلى وقوع الشركات في عمليات الاحتيال وإعلان الإفلاس على حد سواء.

ليس من العجيب إذًا أن يرى البعض أن الثقة المفرطة هي "أم كل التحيزات"، أي أنها الأساس في كل الأحكام الخاطئة.

وقال العالم دانيال كانمان الحائز على جائزة نوبل الشهيرة إنه لو امتلك عصا سحرية يمكن أن تغير شيئا واحدا عن علم النفس البشري، فهذا الشيء هو القضاء على عقدة التفوق لدينا.

ويوجد حالياً بحث جديد رائع قامت به جوي تشنغ، الأستاذة المساعدة في علم النفس في جامعة يورك، يظهر أن الثقة المفرطة يمكن أن تكون معدية.

تقول تشنغ: "إذا كنت قد تعرضت لشخص ذي ثقة مفرطة بنفسه، فعلى الأغلب ستصبح مفرطًا في تقدير موقفك النسبي الخاص".

إنه ميل يمكن أن يجعل التفكير المضلل ينتشر بشكل خطير بين فريق من الناس.

 

* نقلا عن شبكة "بي.بي.سي" عربية

تعليق عبر الفيس بوك