وضع الشهادات بعد تعميم العمل!

يوسف بن علي البلوشي

 

تعميم وزارة العمل القاضي بعدم ربط الأجور بالمُؤهلات أو الشهادات الدراسية، فتح الباب أمام الدهشة والتكهنات حول مُستقبل الشهادات العلمية والوظيفة معًا، فالاتجاه نحو التعليم والابتكار والسعي الحثيث والدؤوب للنيل من معين العلم والمعرفة ستتراجع معدلاته خاصة في نظر من يعول عليهم أن يكونوا بناة عُمان   وأصبحت الشهادة أو عدمها أمر طبيعي لما حدث، رغم بذل الحكومة الغالي والنفيس طوال الأعوام الماضية في الرقي بقطاع التعليم العالي وإيلائه اهتماما كبيرا والتوسع في الجامعات والكليات والمعاهد وتنظيم الاستراتيجيات المتعلقة به.

فاليوم وبدلاً من أن نشجع أبناءنا على التعليم العالي بكل تخصصاته ومؤهلاته وشهاداته الجامعية وندفع بهم إلى الزيادة من معين العلم والمعرفة لكل من استطاع إليه سبيلا، فإذا بتعميم وزارة العمل يأتي ليضع الفرصة أمام الشركات (لا ربط للأجور بالشهادات)، وبذلك يصبح التعليم العالي أمام تحدٍ كبير ليس كمؤسسة وإنما كسلاح بشري يجب أن يتسلح به الجميع  

هنا نجاهر بالقول إن التعليم نور، وإنه الوحيد القادر على إزاحة دياجير الظلمة، وإنه هو قبس الضياء الذي أشعله المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد ـ طيب الله ثراه ـ عندما أطلق مقولته الشهيرة "التعليم ولو تحت ظل شجرة"، وأكد عليه أيضاً حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في خطابه الثاني أن يكون للتعليم اهتماماً منقطع النظير وهو الذي يجب أن تضعه المؤسسات الحكومية في مطلع أهدافها كاستراتيجية عملية وعلمية.

ففي ظل التطورات العلمية المتسارعة وتعزيز الابتكار والاختراعات التي لا تأتي إلا بالحض على التعليم واكتسابه وعدم التهاون في السعي إليه والارتماء في أحضانه فهو الحنون القادر على فتح الطريق أمامنا لرحاب المجد ككل الأمم التي سبقتنا إليه فإذا هي اليوم تقود ركاب الحضارة البشرية في شتى دروب المعارف الإنسانية.

إنَّ قرار إلغاء ربط الأجور بالشهادات نراه كفيلا بدفن الطموح في مقابر الجهل وسحق جذوة التطلع إليه في نفوس الأبناء، ويعد رسالة قوية لا ينقصها الوضوح للأجيال القادمة بالنأي عنه والابتعاد عن مؤسساته ومدارسه وجامعاته وكلياته، وإن كان الأمر كذلك فيُمكننا القول بأنَّ التعليم لن يغدو كهدف وغاية، وأنَّ التعليم العالي سيُمسي نوعاً من الترف لأبناء الأغنياء لا الفقراء بعد ثبوت حقيقة أنه لا علاقة له بالتوظيف ولا بتحسين الوضع المعيشي للفرد وللأسرة.

ونظرية ربط التعليم بسوق العمل، الخوف أنها تتلاشى وتصبح سراباً ولن تعود للحياة تارة أخرى، والخوف أن يأتي اليوم الذي نقف وعلى رؤوسنا رماد وتراب لنقول وداعاً للشهادات ووداعاً للجامعات، وساعتها نجدف عكس تيار الآية الكريمة رقم 78 من سورة النحل عندما قال رب العزة (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فكيف لنا أن نعلم بعد أن خرجنا من بطون أمهاتنا لانعلم شيئاً وقد قررنا النأي عن العلم والاستزادة من معينه الذي لاينضب أصلاً.

إن مثل هذه المسوغات (التعاميم) إزاء طلب العلم سوف يكون لها تأثيرات سلبية واسعة على توجهات أبناء المجتمع وإذ هم يعلمون بأنه سيتم توظيفهم براتب ضئيل مقداره 325 ريالاً في أي شركة أو مؤسسة خاصة، وأن شهاداتهم ليس لها أهمية عملية تذكر، غير أنها من الممكن أن تضيف رونقاً عندما تعلق بحوائط البيوت، تأكيد على شكل للتزيين.

فالمهارة الشخصية والموهبة لها دور والذكاء الفردي له دور، لكن المهارات الذاتية لايمكن أن تتطور وترتقي بدون التعليم ولا يمكن أن نوجد أجيالا من المهرة والنوابغ بدون تعليم، تلك حقيقة مثلى علينا احترامها على أقل تقدير.

إننا اليوم نرغب أن نعزز قيمة التعليم ونعلي من شأنه؛ فهو وحده الذي يقود الأمم والشعوب إلى التطور والتقدم ويخرج الشعوب من الظلمات إلى النور، ولا ينبغي علينا تثبيط العزائم  بتعاميم وقرارات يجب أن ترى الدراسات العميقة للوقوف على انعكاساتها على الفرد والمجتمع ومن ثم على الوطن بأسره.. فهل وزارة العمل جزء من المنظومة أم خارجها.