د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **
يتغير العالم بوتيرة مُتسارعة ويتغير الخليج وتعم مظاهر التحديث كافة أرجائه، وأصبح يتقبل مُشاركة المرأة الخليجية في الحياة العامة، فالمرأة الخليجية اليوم تلعب دوراً بارزاً في المجتمع الخليجي؛ حيث تقلدت مناصب قيادية، فصارت وزيرة ورئيسة للجامعة وسفيرة ومُحامية، واقتحمت قلعة القضاء، الحصن المنيع للرجال تاريخياً... الخليج الذي ظل مُحافظاً متشبثاً بمسلمات موروثة، اليوم في حالة تغيير سريع الخطى: سياسياً واجتماعياً وثقافياً وتقنياً.
هبَّت رياح عاتية على الخليج وعصفت بعادات وتقاليد ومواريث اجتماعية لبست ثوب الدين، وماهي من الدين بشيء. أصبحت للمرأة الخليجية شخصيتها المُستقلة، وامتلكت حرية حركتها المجتمعية، وسقط أعتى القلاع المناهضة لحركة المرأة في المجتمع الخليجي الأكثر ذكوريّة. حتى الدعاة والوعاظ "حراس الماضي" الذين كانوا يُحاربون التحديث وخروج المرأة تغيروا.
جمود المشرع الخليجي:
وحده الذي استعصى على التغيير، وظل متشبثاً بموقعه في الماضي لا يتغير ولا يتطور، يُراقب التغييرات الاجتماعية المتسارعة حوله، إنه المُشرِّع الخليجي في موقفه المتصلب من حقوق المرأة وتشريعات الأسرة!
ولا يزال المشرع الخليجي يقتات على تراث الأقدمين في تشريعاته للمرأة، يستبطن مواريث ماضوية، يعيش متخلفاً عن ركب العصر ومُعطياته، متجاهلا متغيرات الواقع الخليجي، لا يدرك أن خليج اليوم غير خليج الماضي، وأن الخليجية المُعاصرة غير أمها وجدتها بالأمس. ما زال المشرع الخليجي يعيش في كهف التاريخ، يشرع للمرأة الموصوفة في كتب التراث القديم!
كل شيء تغير في الخليج عدا نظرة المشرع الخليجي للمرأة، فهي مازالت عنده كائنا عاطفيا ناقصا، لا يُحسن التصرف إلا بوصاية الولي الرجل.
فالدول الخليجية أصدرت دساتير نصت على حقوق والتزامات متساوية بين المواطنين والمواطنات، ووقعت وصادقت على اتفاقيات حقوقية أممية، وتعهدت بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، وتبنت خططاً لتمكين المرأة، ومع ذلك استمر المُشرِّع الخليجي يدس رأسه في التراب، متجاهلاً المواثيق الأممية المُتعلقة بحقوق المرأة ومنها:
أولاً: حق الخليجية في منح جنسيتها لأولادها؛ فقوانين الجنسية لدول الخليج تمايز بين المواطن والمواطنة، فتعطي الرجل وحده حق تجنيس أولاده وتمنعه عن المرأة، في مخالفة صارخة لدساتيرها التي تنص بوضوح على "مساواة المرأة بالرجل في حق المواطنة"، وفي مناقضة سافرة لكافة المواثيق الحقوقية التي صادقت عليها والتزمت بها، ومنها "الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة"، لكنها تحفظت على مادتها التاسعة البند الثاني "تمنح الدول الأطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالهما".
ولا يُوجد أي مبرر عادل أو منطقي أو شرعي لهذه التفرقة التي تجاوزها كافة دول العالم، ومن حق المواطنة أن يكون لها نفس حق أخيها المواطن، فالنساء شقائق الرجال.
هلّا تساءلنا بروية وعقلانية وتبصر وبدون ردة أفعال ذكورية أو عنصرية: لماذا يستحوذ الرجل الخليجي على كل الحقوق دون المرأة الخليجية؟! لماذا من حق الرجل المُواطن منح جنسيته لأبنائه وتُحرم المرأة المواطنة من الحق نفسه؟! لماذا من حق الرجل الخليجي منح جنسيته لزوجته الأجنبية ولا يحق للمرأة الخليجية المُتزوجة من أجنبي؟! لماذا تمنح تشريعات العالم كله المرأة حق منح جنسيتها لأطفالها وتحرم تشريعات الخليج هذا الحق؟!
لماذا تنصف 7 دول عربية هي: تونس ومصر والجزائر والمغرب والعراق والسودان والصومال، مُواطناتها وتمنحهن هذا الاستحقاق، ويمتنع الخليج؟! أفلا يجدر بالخليج إنصاف مُواطناته؟! أليس الأعدل بالمشرع الخليجي المسارعة إلى تصحيح هذا التمييز التشريعي المعيب؟! إلى متى نترك الأم الخليجية المتزوجة من غير مواطنها معذبة تتألم في صمت ونبل، تدفن أحزانها، تخفي مُعاناتها، تعيش قلقة على مصير أطفالها؟!
إلى متى نَضِن على ألطف الكائنات، الأم الخليجية، هذا المخلوق الرقيق الذي غير مجرى التاريخ وصنع الحضارة، من حق طبيعي تتمتع به أمهات العالم؟! إلى متى يظل الخليج أسير مواريثه التعصبية؟! هلا دولة خليجية مُبادرة إلى نيل شرف هذا الاستحقاق الذي طال؟
** كاتب قطري