قراءة ما بين السطور!

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"لو أصغت الطبيعة إلى مواعظنا في القناعة لما جرى فيها نهر إلى البحر ولما تحول شتاء إلى ربيع"... جبران خليل جبران

أحياناً يكون من الأفضل ألا نعرف كل شيء، معرفة ظاهر الأمر تكفي، وقد يكون ظاهر الأمر فيه رحمة، مُريحة الراحة المبتغاة، في أحايين كثيرة تمرير الأمور خير من السعي في تفاصيلها، حتى لو وجد ملفت، فلنضع الملفت جانبًا، لأن ليس كل ملفت هو في الحقيقة ملفت حقيقي !

بعض العبارات وإن كانت عبارة واحدة، لكنها تغني عن مقال، بها كلمات كأنَّها تتنفس، كأنها تباشر بحديث، عليها غلاف يشي بعنوان يخفي وراءه تفاصيل، توحي بمعطيات على أرضية خصبة من الفكر المُتدرج لحقيقة غير مُعلنة لكنها تختفي وراء مواربة تشعرك بنبرات الأسى وخيبة الأمل في ثناياها !

بعض الكتابات - أياً كان مكانها - فيها استفزاز لعقل القارئ، خاصة إن كان القارئ قريبًا من كاتب الكتابة - كصديق مثلاً - تشغل خاصية الفكر المفكر بتفكير يتفكر بأفكار تذهب وتأتي، تبعد وتقرب، فما بالك إن أتت هذه السطور بعد زمن من التوقف عن الكتابة في ذات المجال، أحد الأصدقاء وهو كاتب ذو كلمة رشيقة، استوقفني في كتاباته بعد عودة، لا أعلم ما الذي حدث معه، ماهي ظروفه التي جعلته يكتب بهذه الحرقة !

قد يكون مرَّ بظرف ما، أو خاب أمله في ملابسات أمر ما، وحتى أضع النقط على الحروف، سأناصحه مناصحة المخلص وأؤكد أنَّه لايوجد شيء على ظهر البسيطة يدعو للعتب، أو الخيبة، أذكر أنَّ أحد كبار السن قبل سنوات جلست معه وكانت حالتي يرثى لها بسبب ظرف قاسٍ مررت به، وقال لي يا ولدي والله لوتزعل من الآن حتى بعد مليون سنة لن تجد من يشعر بك، فإن لم تنأى بنفسك عن متاهات الأسى ستكون أنت الخاسر الوحيد، وستضيع منك لحظات سعادة وفترات فيها إلهام وتطلع، غيرك يعيش حياته كما يُريد وأنت ستكون قابعًا في زاوية الأسى وتجرع الخيبة، وسيمر بجانبك الناس ويسلمون سلام أول مرة وفي المرة الثانية لن تجد من يلتفت إليك ومن يُسلم ويلقي التحية !

سأقرب النصيحة لك أكثر، إن حصل لا سمح الله ومرضت- عافاك الله- سيأتي إليك الزوار أوَّل الأيام، وبعدها سيخف وطء المكان وسيزورك القليل، وإن طالت المدة سيكون شيئاً رائعًا إن لم يتركك أقرب النَّاس!

هذه الدنيا وهذه فلسفتها، الدنيا فيها البقاء للأقوى، كن قوياً وثابتاً، ولا تتحجج وراء أسباب- قد تكون محقاً فيها- لكن عليك اجتيازها، لاتقف عندها، دعها تمر، قف بعزتك والكبرياء، وأعبر محطة الخيبة عبور الكرام، ولا تتأثر وإن تأثرت تجاوز التأثير سريعاً، فالحياة ليست إلا محطة، وكل محطة لها ذكراها، أجعل مامضى ذكرى، فقط ذكرى.. لا أكثر، فالأمر لايستحق ياصديقي العزيز !

قراءات ما بين السطور غالباً مُرهقة، لكنها ممتعة لكاتب بسيط مثل العبد الفقير يتسكع في دهاليز بلاط صاحبة الجلالة!

هذه قراءتي لما بين سطورك، وهذا مافهمت من عباراتك الثقيلة، حيث خرجت بما سبق من عبارات مُتواضعة، ولا أعلم ياصديقي العزيز هل لمست الجرح أم كنت حوله أدور، أو كنت أتجول في مكان بعيد؟