فلكلور وحكاية

 

جيهان رافع

تعددت الحكايات وتلوّنَ الفلكلور والوطن واحد، تشعّ الحياة من الحكايات الشعبية العُمانية، تُشرق من ذاكرة الفلكلور الجماعية التي حفظت في ثنايا الزمن أهازيجًا عبّرت من خلالها عن تاريخٍ من التعابير الفكرية الخلّاقة وحركات التواصل الفاعل بين الإنسان والمكان فكل منطقة أخذت من أهازيجها طريقًا لعلاقتها بتسلسل الأجيال، وصنعت تراثًا يحاكي عادات وتقاليد أهلها بجمالية المشاهدة وطربية السمع ويميزها عن غيرها.

حكاية الناقة والحجر

تلك الصور التي تقترب من عقل الإنسان لتفسر له ارتباط المكان به بعلاقة متوازنة عاطفيًا وكأن الطبيعة تحب أن تشكّل الأشكال الصلبة حسب توجهات أهل المنطقة أو حسبما يحب أن يراها ساكنوها ليستمد منها روح الانتماء والاستمرارية، والدليل الذي جاء في تَشَكل الحجر على شكل جسد ناقة في وادي بني خروص؛ حيث امتدت هذه القصة على نطاق واسع من التناقل الحكواتي بين النَّاس، وكان أبرز ما جعل من تشكل الصخور بأشكال تشبه الطبيعة الصحراوية والحياة العُمانية المميزة بوجود الناقة والجمل كأساسيات فيها هو حديث مالك بن فهم مع نوقه في رحلته من جنوب شبه الجزيرة العربية متجهًا إلى عُمان. إلى جانب العديد من القصص والحكايات التي تخلد قوة العلاقة بين الإنسان والناقة، وتتنوع هذه الحكايات في مختلف البيئات العمانية.

وهناك الرزحة، فلكلور عُماني مكون من إيقاعين (الكاسر والرحماني)، إضافة إلى رازحين وزفينة السيوف الحيّة أو البندقية، تتقدم الرزحة كل العروض كعرض أساسي وهي مكونة من المقدمين الرجال فقط، وتندرج ضمن الفن الحماسي.

أما أبو الزلف، وهو فلكلور انتشر تحديدا في مناطق الشرقية وخاصة جعلان، وهو أكثر الفنون رواجًا وجمالًا في الأداء والعرض؛ فهو الفن الذي يضم الحداثة والأصل في آن، وهو مبنيّ على مشاركة النساء والرجال معًا في صفين متقابلين وفيه تُلقي امرأة الشعر تلحنه هي، ويمنع أثناء الإلقاء قرع الطبول وبعد تغني الصفين بأبيات الشعر ونزول راقصتين إلى الميدان حتى نهاية الرقصة، ثم ينتقل الدور إلى الرجال فيلقي الشعر رجلٌ منهم يكون على نفس الوزن والسلام بدايته، وفي الختام يتغنّى بوتيرةٍ متسارعة بالشطر الأخير من البيت الأخير؛ حيث ينفرد بأدائه المتسارع فتخرج راقصتين بحركات متناسقة إلى الميدان يصلن إلى صف الرجال الذين يستمرون بحركات الرقص على نفس الإيقاعات، والجدير بالذكر أنَّ ملابس الفتيات ذات ألوان زاهية متنوعة جميلة تتزين بالحُلي.

ومن شعر فلكلور أبو الزلف:

عالوداني ويوداني يوداني..... عالوداني ويوداني يوداني... شغالي يا نور شغالي... بانثر سلام الله وباقلّب أمثالي.... وطيّر القطا حلّق فوق السما عالي .... يوداني داني اللداني... والويل داني علوه... يابو زلف هوو يا عين... وليش عني بتروح... بفتح كتاب الدرسعي ... بفتح كتاب الدرسعي... يا بو زلف هوو يا عين... وليش عني بتروح... وبكورسي يا عيال كل حرف يبينقرى... علوه يوداني اللداني... والويل بنداني... الهجران ومنحه التعب... وخيول ملتمة وخيول ملتمة الهجران منحه والتعب... واللي يبا المحبوب المال ما يهمه... يوداني والويل بنداني... رد السلام يو زين... عين تراها تشوف عيني تراها تشوف... رد السلام يو زين... وراعي المعنق طاف وأشر لنا بكفوف.

باختصار، التراث العماني مدهش للغاية في ثرائه وتنوعه، من الشمال إلى الجنوب، وأجدني كلما تعمقت أكثر في معارفي عن هذه الفنون الرائعة تزداد دهشتي وإعجابي بها، لأنها فنون تراثية نابضة بالحياة وتحكي المجد بمختلف صوره، وتتغنى بالقيم والمُثل والمبادئ، وتروي لنا ولمن بعدنا البطولات الإنسانية العظيمة، حتى يتشكل وعي الأجيال- جيلا تلو الآخر- على هذه الملحميات والحكايات التراثية التي تزيد من تجذر الوعي الجمعي في هذه الأرض الطاهرة الغنية بكل ما هو قيِّم وأصيل.