وعي المجتمع وثمار العمل التطوعي

 

سالم الكثيري

 

لا يخفى على أحد الهبة المجتمعية لأبناء محافظة ظفار في القضاء على نبتة البارثينيوم طيلة أشهر موسم الخريف والتي لازالت مُستمرة إلى لحظة كتابة هذا المقال.

فبمجرد أن استشعر المجتمع خطورة الأمر سارع دون تردد لحماية أرضه الطيبة وبيئته النقية ولم ينتظر تعليمات الجهات المختصة التي ستحتاج إلى مزيد من الوقت فانتشر المتطوعون على رؤوس الجبال وفي بطون الأودية والسهول مقتلعين هذه النبتة وقريناتها دون هوادة. وفي الوقت الذي نزل فيه المتطوعون إلى الميدان اطمأنوا أن هناك من يهتم لأمرهم ويُقدم لهم الدعم ويمد لهم يد العون معنوياً ومادياً؛ حيث أتت التبرعات من الأسر والأفراد وفاعلي الخير والتي شكلت العامل الحاسم في استمرارية هذه الجهود الأهلية المخلصة. كما اطمأن هؤلاء الجنود إلى ما يدور من حراك إعلامي ومُجتمعي حول هذه القضية البيئية متشبثين بالعزيمة والصبر وأن جهودهم لن تذهب سدى.

وبينما أوشكت سحائب الخريف على الرحيل وأخذت شمس الربيع الحارقة تقوي الأرض تحت جذور البارثينوم ازدادت همة وقوة البقية الباقية من المتطوعين ولم تستسلم أو تفقد العزيمة وإن تبدلت المواسم أو تأخرت قرارات الحكومة.

وبهكذا صبر باتت ثمار جهود المواطنين تُؤتي أكلها شيئا فشئيا حيث تحول الموضوع إلى قضية رأي عام شارك فيها المهتمون بقضايا البيئة من المختصين والخبراء والكتاب وغيرهم من كل شرائح المجتمع ويأتي ختامها مسك بقرار معالي السيد وزير الدولة ومحافظ ظفار بتشكيل فريق عمل للتعامل مع البارثينيوم من مختلف الجهات المختصة وبرئاسة سعادة الدكتور رئيس بلدية ظفار وهو القرار الذي نال الترحاب والشكر من كل أوساط المُجتمع وسيكون له بلا شك الأثر البالغ على المدى الطويل في التعامل مع كل ما هو دخيل وضار على بيئتنا.

إن المتتبع لهذا الموضوع سيتضح له بشكل جلي درجة الوعي الذي تشكل لدى أبناء عمان في التعامل مع القضايا التي تمس أرضهم ووطنهم واستعدادهم لبذل قصارى جهدهم في التصدي لكل ما هو خبيث، الأمر الآخر أن القرارات الحكومية ستأتي في وقتها إذا تبين للمعنيين أن ما يقوم به المواطن الفرد أو المجتمع هو في الاتجاه الصحيح وهذا ما تحقق بالفعل، وهناك أمر ثالث وهو خطير جدًا فيما يتعلق بتحمل المسؤولية ويتمثل في أن كثيرا من الجهات أخذت تأخذ موقف المتفرج في أمور هي من صميم عملها وباتت تعتمد على ردة الفعل في تنفيذ مهماتها المكلفة بها بدلاً من أن تتزعم زمام المبادرة في تبني أهمية هذه القضية أو تلك، ولعل تجاهل الجهات ذات العلاقة لخطورة انتشار هذه النبتة لسنوات طويلة حتى يأتي مواطن غيور لا يمتلك من المقومات إلا درجة الوعي وحبه لأرضه لينبهها إلى ضرورة القيام بواجبها أبرز مثال على الترهل الإداري والضعف الذي وصلت إليه هذه الجهات في الفترة الماضية رغم ما تمتلك من مقومات مالية وكوادر بشرية وتقنيات حديثة، وهو الشيء -أقصد التهرب من المسؤولية -الذي نتمنى القضاء عليه كما سنقضي على البارثينوم وغيرها من النباتات الفاسدة في العهد الجديد، عهد الحكومة الرشيقة والتكنوقراط والمحاسبة ومكافحة الفساد الإداري والمالي.

الأمر الرابع وهو أنَّ قضايا الوطن- وليس مكافحة البارثينيوم إلا مثالا واحداً عليها- لا يمكن أن تحقق نتائجها المثلى إلا بالشراكة الحقيقية بين المجتمع بكل أطيافه من ناحية والحكومة من ناحية أخرى ولذا بات من الأهمية بمكان الاستفادة من هذه النماذج المُجتمعية وتسهيل إجراءات تشكيل الجمعيات المختصة والفرق التطوعية في مختلف التخصصات لتتمتع بالصفة الرسمية والتنظيمية وهو ما سيجني معه الوطن والمواطن النتائج المبهرة على مختلف الأصعدة مع مرور الوقت.