المسرحية والمسرح ونحن

 

جيهان رافع

 

المسرحية زمن تنهض به الأفكار من تحت ركام الألم وتنبت من أوقات الفرح، تبقى لمدة ربما قصيرة أو طويلة حتى تتمدد جذورها نحو الحياة وحسب الظروف المكانية والزمانية تعلنها أضواء المسرح وتهبها شمس النضال براعمَ النور، لتحقيق الهدف، فتتبلور خلف ستائر تستر ما اعترانا من ألم وتفضح ضحكاتنا المصطنعة وتفرح حين تُزيل الحزن عمّا سترناه قبل قدومنا للمشاهدة لنشعر بالحياة أكثر. تتحول هذه الأفكار إلى خطابٍ على منبرٍ جماعي أُطلقَ عليه اسم المسرح لأنَّه بشكل أو بآخر يعبّر عنَّا بشكل جماعي وينطق بأفكارنا ويحلم مثلنا بمن يطلقُ سراحَ المشاعر المسجونة من خلاله، لكن أحلامه ليست عابرة هي أحلامٌ منِّا وإلينا تسافر بنا إلى ما لا نستطيع الوصول إليه ويحطّ بنا في أرض الواقع الذي نصبوا لملامسته.

على خشبة المسرح التي صُنعت من حرائق مشاعر الكتّاب المسرحيين ومن أشواق المُمثلين للأضواء والحياة تَظهرُ عدّة فنون، الرقص، التمثيل، الغناء، والتقليد للأصوات المختلفة وبِدعَة الصمت في حركات الجسد، وفنون الديكور والألوان والأضواء والدهشة التي تسبق فتح الستائر، لذلك سُميَ "أبو الفنون". وحين نتحدث عنه وعن المسرحية نتذكر أقوالاً مأثورة منها ما قاله وليام شكسبير صاحب نصوص أكثر المسرحيات الخالدة في الذاكرة والتاريخ: "علمتني الحياة أن أبكي في زاوية لا يراني فيها أحد ثم أمسح دمعتي وأخرج للنَّاس مبتسمًا".

نجد في هذا القول تجسيدًا لمشاعر المسرحي الذي يترك مشاعره الخاصة جانبًا عندما يصعد على خشبة المسرح ليجسد مشاعر الشخصية التي اختارته.

إذًا ليس من المهم فتح الستارة وحسب بل من الأهم أن نشعر أنَّ في كل عمل يُوجد أشواكٌ يجب أن تنخزَ أفكارَنا كي لا تنام ولتحثنا على التحديث والتطوير ومعرفة نقاط الضعف والتركيز على نقاط القوّة لأننا كثيرًا ما نجد كتابًا عرب استسهلوا استقدام الأفكار الغربية وقدموها على شكل عروض ربما أتقنوا بها التمثيل لكن لم يتقنوا الجذب لشيء جديد لم يسبق استهلاكه، وأيضًا نجد نصوصًا مميزة لكن جهات الإنتاج لم تسخّر لها ما يكفي لتقديمها بشكل عالي الجودة، وربما النقطة الأهم هي أهل الخبرة كما يقول المثل العربي: (أعطي الخبز لخبّازه ولو أكل نصفه) أو على مبدأ الإنسان المناسب في المكان المناسب، فإن كان العمل المسرحي لا يوقظ بنا رغبة الجدال والأسئلة والبحث عن الأجوبة داخلنا ولا نجد به ضالتنا إن كان من الأسلوب المميز في نهضة المشاعر كاملة كما الضحك والحزن فلا جدوى من صناعته وستذهب جهود الجميع سُدًا وربما يقف عمل ضعيف حجر عثرة أمام نص يستحق التقديم فيبقى في سراديب الورق. ويخفف من الرغبة بدعم الأفضل والكف عن البحث على أثر صدماتٍ تعددت من تلك الأسباب المُبهمة والتي قلّما نجد من يمنحها وقتًا أطول وجهدًا أفضل ودعمًا ماديًا أقوى كي نجد حلولًا للقضاء على الضعف بها والمضي بالمسرح والمسرحية نحو مستقبل زاهر.    

يقول إبراهيم البليهي: "الرسم تجسيد للجمال والمسرح تجسيد للأفكار وهما من أشد الوسائل فاعلية في التثقيف والتنوير".