الرستاق.. حضارة وشموخ

علي بن بدر البوسعيدي

 

قبل أيام سعدتُ بالغ السعادة بزيارة طيبة الرستاق أحد أعرق ولايات السلطنة، بل أحد أعرق المدن العربية والخليجية، وشاهد عيان على أصالة الحضارة العمانية الضاربة جذورها في عمق التاريخ الإنساني، فهي ولاية تشتهر بمعالمها التاريخية التي جسدت عظمة أجدادنا وعراقة أصولنا، احتضنت العديد من أبناء عمان النجباء، ومن بين صروحها وقلاعها وحصونها ترعرع العظماء الأوائل، ومن بينهم الإمام المؤسس للدولة البوسعيدية، والتي تحتضن أيضاً ضريحه، إنه الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي- عليه رحمة الله، جدنا الأكبر، وأحد عظماء التاريخ العماني المعاصر.

الزيارة التي قمت بها بصحبة رفاق الخير، لم تكن الأولى بكل تأكيد، لكني في كل مرة أزور الرستاق أشعر وكأنني أراها لأول مرة، من عظمة ما تحتويه من مكونات حضارية وتاريخية، فمنذ أن أصل إلى مدخل الولاية، يترآى أمام ناظري شريط سنيمائي أشاهد فيه أحداثا تاريخية أبطالها نماذج عمانية مشرفة، أمثال الإمام سيف بن سلطان اليعربي الملقب بـ"قيد الأرض"، ثم تتداعى أحداث التاريخ لتذكرني بالدولة اليعربية التي حكمت عُمان في القرن الثاني عشر الهجري، وغيرهم الكثير من أعلام هذه الولاية الرائعة. وكلما زرت الرستاق أتذكر كذلك العم العزيز المغفور له بإذن الله تعالى السيد هلال بن علي البوسعيدي.

والرستاق تزخر بإرث حضاري وتاريخي مدهش، فحصن الحزم أحد الشواهد التاريخية التي نفخر بها جميعاً، والذي يعود أيضاً إلى عهد دولة اليعاربة، وكذلك قلعة الرستاق التي تعود لمراحل تاريخية سابقة عن الإسلام بنحو أربعة قرون، ولا يفوتني أن أذكر النهر الصغير الذي يشق الرستاق ويرويها، إنه فلج الميسر المدرج على قائمة التراث العالمي والمصمم بصورة هندسية بالغة الجمال وتعكس مدى إتقان الإنسان العماني قديماً لمهارات فيزيائية لم يكن العالم المتحضر الآن وصل إليها في ذلك الوقت، وهناك الكثير الذي لا يتسع المقال لذكره، مثل عين الكسفة، وجامع البياضة الأثري الذي يمكن أن نصفه بأنه منارة دينية وتاريخية عريقة، وواحد من المساجد القديمة في وطننا، حيث يعود تاريخ إنشائه إلى القرن السادس الهجري، وتخرج فيه الكثير من العلماء الأجلاء والفقهاء الأفاضل.

كل ذلك يدعونا إلى مزيد من الاهتمام بالمزارات السياحية والثقافية والتراثية، والفرصة مواتية أمام المسؤولين في وزارة التراث والسياحة بعد دمج الوزارتين، لكي تتكاتف الجهود من أجل الترويج السياحي لهذه المزارات وتعريف العالم والأجيال الجديدة بتاريخنا العريق المشرف، علاوة على رفد خزينة الدولة بإيرادات سياحية تدعم مسيرة التنمية.