جلالة السلطان والمواطن الصحفي

مدرين المكتومية

 

ثورة التكنولوجيا نجحت خلال السنوات الأخيرة الماضية في تغيير آلية ووتيرة العمل في العديد من القطاعات، بدءًا من صناعة الخبز وحتى صناعة الصاروخ!

وقطاع الصحافة والإعلام أحد أبرز القطاعات التي لحق بها تطور هائل وغير مسبوق مع بروز تقنيات جديدة سهلت على الصحفي إعداد الخبر وتحريره ونشره في لحظة واحدة، فظهرت لنا واحدة من أهم مُخرجات الثورة المعرفية، وهي المواقع الإخبارية الإلكترونية، وعندما انتشرت في المجتمعات، ظنَّ البعض أنَّ هذا أقصى مدى يمكن أن تصل إليه وسائل الإعلام، لكن فوجئ الجميع بثورة أخرى، وهي ثورة وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الخبر لم يعد ينتظر صحفياً لكي يكتب التفاصيل، بل بات المواطن العادي في كل بقعة على الأرض هو الصحفي، ومن هنا زاد استخدام وصف "المواطن الصحفي".

المثال الأبرز على ذلك، أنَّ الزيارة الكريمة التي قام بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله في حله وترحاله- إلى الجبل الأخضر قبل أيام، لم يتم الإعلان عنها رسمياً، كما لم يعرف عنها الصحفيون سوى من خلال مقاطع الفيديو التي جرى تداولها، والتي تصور الموكب السُّلطاني مارًا بأحد شوارع النيابة التي لا مثيل لها في عُمان ومنطقة الخليج. هنا يمكن أن نكتشف نقطتين بالغتي الأهمية؛ الأولى: مقدار الحب غير المحدود من المواطنين لجلالة السُّلطان المفدى، ومدى الفرحة التي غمرت نيابة الجبل الأخضر، بل مُحافظة الداخلية كلها، بهذه الزيارة الكريمة، فما أجمل أن نرى أهلنا الطيبين في الجبل الأخضر والبسمة تُزين وجوههم، والفرحة تعتمل في قلوبهم بالمقدم السامي. لقد ازدان الجبل الأخضر بهذه الزيارة، أشد من زينته بالورد الرائع الذي تشتهر به النيابة، وتعطَّر الجبل بأريج سلطاني سامٍ، فاح شذاه في أنحائه..

النقطة الثانية التي استوقفتني، وهي تخص مهنتي كصحفية، تلك الطفرة في عالم صناعة الخبر والمحتوى، فمجددًا أؤكد أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي باتت هي الرديف الآن لوسائل الإعلام القائمة، رغم الفوارق الشاسعة بين عالم الصحافة (أو ما نسميه الميديا) وعالم التواصل الاجتماعي، من حيث الأداء المهني الرصين، وكذلك المصداقية والموثوقية، وتحري الدقة، والحصول على المعلومات من مصادرها، بفضل قدرة الصحفي على إنجاز ذلك كله، في حين أنَّ عالم التواصل الاجتماعي تغلب عليه العشوائية وعدم المهنية، فضلاً عن كونه بيئة خصبة للغاية لنشر الشائعات.. لكن من الطبيعي أنَّ هذا العالم به سلبيات وإيجابيات، وتركيزنا هنا في هذه السطور على الإيجابيات، والتي ذكرتها من قبل وتمثلت في تفوق المواطن الصحفي على الصحفي المُتمرس.

نعم.. لم يعُد الخبر ونشر المعلومة حكراً على مؤسسة صحفية أو إعلامية، بل بات الأمر متاحاً للجميع، فلننظر إلى الأحداث الكبرى الآن من حولنا، نجد أن صناعها استفادوا من ثورة الاتصالات، حتى إن بعض المواقف البسيطة تتحول إلى حدث كبير للغاية (ترند) بفضل انتشارها كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى إنه إذا تحدث اثنان عبر تغريدة في أبعد نقطة بالعالم، قرأها العالم كله في نفس اللحظة!!

ورغم ما سبق، وإيماني الشديد بأحقية المواطن في نشر ما يُريد دون مخالفة قوانين أو خُلُق أو أعراف، فإنني استحث الجميع على عدم ارتكاب أي أخطاء تتعلق بنشر شائعات أو الترويج لأكاذيب- وما أكثرها الآن- أو إلحاق الإهانات والقذف بشخصيات أو مؤسسات، فعلينا أن نوظف التقنيات الحديثة فيما ينفعنا لا فيما يضرنا.