المنطقة تمثل "نقطة الصفر" في المواجهة العالمية المتزايدة بين "التنين" وأمريكا

"في كنف بكين".. الصين تتوسع في جنوب وشرق آسيا عبر بوابات التقدم الاقتصادي والمشاريع الثقافية

ترجمة - رنا عبدالحكيم

في كتابهِ الجديد "في كنف بكين: تحدِّي الصين في جنوب شرق آسيا"، يقدِّم موراي هيبرت الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية ومقره واشنطن، خدمة استثنائية تتمثل في الكشف -بتفاصيل دقيقة- عما تواجهه دول جنوب وشرق آسيا من تحديات، في ضوء إستراتيجية الصين لجذب هذه الدول لتدور في فلكها بإحكام.

ويصفُ هيبرت كيف أنَّ الصين -التي يعود تاريخ علاقاتها بهذه الدول إلى قرون سحيقة- تُولي اهتمامًا شديدا بالدول "العميلة المحتملة"، وتسعى للتعرف على نقاط الضعف فيها، وتستعين بكل نفوذها وإغراءاتها في سبيل تحقيق ذلك بغض النظر عن القواعد أو المعايير الدولية. واعتادت بكين تجاهل قضايا حقوق الإنسان وسيادة القانون من أجل ضمان بقاء "القادة الاستبداديين" الودودين للصين في السلطة.

Murray Hiebert.jpg
 

وفي وصف هيبرت للأداء الصيني في القرن الحادي والعشرين؛ فلا يقدم الصورة النمطية المألوفة عن ملوك برابرة يثنون على بلاط المملكة الوسطى (الصين). لكنَّ اليوم، يرتكز التوسع الصيني على لغة التقدم الاقتصادي والتعاون الإقليمي والمشاريع الثقافية. وتأخُذ هذه المشاريع غالبا شكل مناطق اقتصادية خاصة، وسياحة متنامية، وقروض ومنح متنوعة. ويسلط المؤلف الضوء على مبادرة الحزام والطريق الهائلة، لكنه ينتقدها، مُعتبرا أنها تُثقل كاهل البلدان بالديون لدفع ثمن مشاريع لا تلبي احتياجات مواطنيها. ويرى المؤلف أنَّ وعد القوة الناعمة للتبادلات الثقافية والعلمية يجذب النخبة في تلك المنطقة نحو الشبكات الصينية، التي غالبًا ما تكون مغلفة بالدعم المالي، كما أنَّ المساعدات العسكرية الصينية والتدريبات المشتركة مع القوات المحلية في تلك البلدان تعزز من مكانة القادة وتضمن الاعتماد على بكين.

وأدَّى صعود الصين ومشاركتها المتزايدة في جنوب شرق آسيا إلى مزيج من الترقب، وعدم الارتياح بين جيرانها الأصغر. وأدى النمو المذهل للصين إلى السيطرة على اقتصادات المنطقة، لكن عسكرة بحر الصين الجنوبي وبناء السدود على نهر الميكونج، جعل الدول تشعر بالقلق من طموحات بكين الضخمة.

ولطالما شعر سكان جنوب شرق آسيا بالأمان نسبيًّا؛ حيث اعتمدوا على الولايات المتحدة كوسيلة للتحوط الأمني​​، لكنَّ هذه الثقة بدأت تتراجع بعد أن شنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حربًا تجارية مع الصين وشككت في فائدة التحالفات التقليدية.

وثمَّة مخاطر كبيرة تنطوي على ذلك، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة. ويقول هيبرت في الكتاب إن دول رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" يبلغ عدد سكانها مجتمعة ما يقرب من 700 مليون نسمة واقتصاد بقيمة 2.8 تريليون دولار. وتستثمر الشركات الأمريكية في جنوب شرق آسيا أكثر من الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند مجتمعة. ويعدُّ الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة أمرًا حاسمًا للحلفاء؛ مثل: اليابان وكوريا الجنوبية لحماية التجارة وضمان السلام ومواجهة العدوان الصيني. وفي المواجهة العالمية المتزايدة بين واشنطن وبكين، يصف هيبرت بطريقة مقنعة جنوب شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي بأنهما "نقطة الصفر".

ويقدِّم الكتاب المُقنِع لمحةً سريعة عن عشر دول في جنوب شرق آسيا؛ من خلال استكشاف تجاربها المتنوعة مع الصين، وكيف يؤثر ذلك على تصوراتهم لأفعال بكين وأهدافها السياسية والاقتصادية والعسكرية و"القوة الناعمة" طويلة المدى في المنطقة.

وقبل تراجع الولايات المتحدة عن التدخل العالمي الذي بدأ مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وتسارعت وتيرته بشكل كبير تحت رئاسة ترامب، كان من المُمكن الاعتماد على الولايات المتحدة للقيام بدور إستراتيجي في شؤون جنوب شرق آسيا. لكن بدون رؤية أمريكية للمنطقة -والتزام يضاهي الصين عن بُعد- فإن هذه البلدان تفقد -أو فقدت بالفعل- قدرتها على موازنة قوة عظمى واحدة عن الأخرى، وهذا من شأنه أن يفتح الباب على مصراعيه أمام الصين.

وفي هذا الكتاب، يقاوم هيبرت بحكمة التساؤل حول كيفية رد الولايات المتحدة على النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا؛ إذ من المؤكد أن ترامب تخلى عن أي ذريعة للانخراط العميق في تلك المنطقة ولم تعد له أي رؤية. ومع وصول العداء بين الصين والولايات المتحدة إلى حد جديد، اكتسبت المنطقة أهمية إستراتيجية لكل من واشنطن وبكين. لذلك، يُمكن القول إنَّ كتاب هيبرت يفيد أي شخص يحاول فهم التغيرات سريعة الحركة في جنوب شرق آسيا.

تعليق عبر الفيس بوك