طالب المقبالي
قد لا يُدرك المواطن العادي أهمية ومغزى القرارات الحكومية في تغيير المسؤولين والمؤسسات الحكومية من أول وهلة.
فالتعديل الوزاري الأخير الذي أجراه حَضرة صاحب الجلالة السّلطان هيثم بن طارق المُعظّم حفظه الله في الجهاز الإداري للدولة بإصدار 28 مرسوماً سلطانياً سامياً، والذي تضمن تشكيلاً وزارياً جديداً وإلغاء بعض الوزارات والهيئات والمَجالس ودمْج بعضها له أبعاد كثيرة، وستنكشف الإيجابيات الغائبة عنِّا في المستقبل القريب.
فعدد كبير من الوزراء الذين استبعدوا من التشكيل الوزاري الجديد أكاديميون كانوا يعملون في جامعة السلطان قابوس، وفي الكليات والجامعات الخاصة، وكانوا يؤدون رسالة تعليمية نحن بحاجة إليها في وقتنا الراهن أكثر من اعتلائهم للمناصب الوزارية التي يمكن أن يشغلها آخرون من ذوي المؤهلات العلمية الأخرى في مجال الإدارة والاقتصاد والتجارة والعلاقات العامة والإعلام والاتصالات وغيرها من المؤهلات، كما يمكن أن يتبوأ تلك المناصب أعضاء مجلسي الشورى والدولة، أما الوظائف في المواقع الأكاديمية فلا يُمكن لكائن من كان أن يشغلها سوى الأكاديميون أنفسهم.
في مقالي الماضي ذكرت أن الوزراء الذين أعفوا من مناصبهم كان منهم مَن تَقدّم به العُمر وَآنَ الأوان لِكي يرتاح كَبقية البَشَر، فيأخذ قِسطاً مِن الراحة خلال الفترة المُتبقية مِن عُمره، ولا شكّ أنّ هناك مَن طالَب بنفسه بالإعفاء مِن العمل مِن أجْل الراحة والابتعاد عن الضغوط والمسؤوليات، وهناك من أُعفِيَ باعتبار أنّ مؤسسته قد أُلغيَت فلا بُدّ مِن إحالة بعض المسؤولين إلى التقاعد حالهم كَحال أيّ مواطن قدْ أمضى فترةً طويلةً في العمل، فلَو لمْ يتمّ الاستغناء عنهم لكان لابُدّ مِن إيجاد مَقاعد لهم، ولن يتحقق ذلك إلّا باستمرار الحال على ما هو عليه من تَكدّس وترهُّل في هذا الجهاز.
إلا أنني لم أذكر أنَّ البعض من هؤلاء الوزراء أكاديميون وسيعودون إلى مواقعهم الحقيقية في المجال التعليمي في المؤسسات التعليمية، كجامعة السلطان قابوس وجامعة التقنية والعلوم التطبيقية والجامعات الخاصة والكليات، فهذه المواقع بحاجة ماسة إلى الكوادر الأكاديمية الذين تشربوا من خبرات العمل في مواقعهم الوزارية السابقة، وسيكون عطاؤهم والاستفادة منهم أكبر من أكاديمي حديث التخرج ولم يشغل أي منصب إداري من قبل.
وإنني مُتفائل بهؤلاء الرجال ليكونوا صنَّاع رجال المستقبل من طلبة وطالبات الجامعات، وعلى يقين بأنَّ حكمة القيادة تسير وفق هذا النهج وهذا التصور، وسوف تثبت الأيام أن هذا الكلام صحيح، فهناك تجارب لشخصيات أكاديمية قد تركت مناصبها الإدارية في عهد جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه فعادت إلى موقعها السابق في جامعة السلطان قابوس كأستاذ محاضر أو عميد كلية أو نائب عميد أو غيرها من المناصب الأكاديمية، فهناك المكان الأنسب لمثل هذه الكوادر التي ستُعطي حتى آخر رمق في حياتها.
فتحية لهؤلاء الرجال، وشكراً لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله الذي يقود دفة هذه البلاد نحو التطوير والتجديد.