وادي السيليكون يكافح للحفاظ على هيمنته في مواجهة عمالقة الصين

الصراع التكنولوجي يؤجج الحرب الباردة الجديدة.. والقومية تشعل أول الخيط

 

ترجمة - رنا عبدالحكيم

في الشهر الماضي، استُجوب الرؤساء التنفيذيون لشركات جوجل وآبل وفيسبوك وأمازون أمام الكونجرس الأمريكي، بشأن السلوك الاحتكاري لشركاتهم، وبينما استجوب الديمقراطيون بلا هوادة الرؤساء التنفيذيين الأربعة بشأن خرقهم لقوانين مكافحة الاحتكار، كان الجمهوريون مُهتمِّين بنفس القدر بالتشكيك في ولائهم الوطني، والسؤال عما إذا كانت لديهم علاقات مع الجيش الصيني.

وفي جلسة الاستماع بالكونجرس، اتهم النائب الجمهوري كين باك شركة جوجل برفض العمل مع وزارة الدفاع الأمريكية، بينما زعم كذبا أن الشركة تعاونت مع الجيش الصيني. ورداً على ذلك، حارب سوندار بيتشاي الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، القومية بالوطنية، مشيرًا إلى أن جوجل كانت في الواقع "فخورة بدعم حكومة الولايات المتحدة" وتفاخر بأنها "وقعت مؤخرًا مشروعًا كبيرًا مع وزارة الدفاع".

وبحسب تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية، قد يبدو تفاخر الرئيس التنفيذي المهاجر لشركة جوجل المعروفة بقيمها التقدمية بالتعاون مع البنتاجون بمثابة رد دفاعي على وصفها بالخيانة. لكنَّ التزام جوجل مع الجيش قد سبق هذه اللحظة بوقت طويل. ولطالما دعا الرئيس التنفيذي السابق للشركة إريك شميدت، إلى تعميق العلاقات مع البنتاجون ويعمل الآن كرئيس لمجلس ابتكار الدفاع، وهي مبادرة لنقل الابتكار التكنولوجي من وادي السيليكون إلى الجيش الأمريكي. وفي الشهر الماضي، أوصت لجنة استشارية اتحادية يرأسها شميدت أيضًا بإنشاء مدرسة ذكاء اصطناعي لتزويد الحكومة الأمريكية مباشرةً -بما في ذلك وزارة الدفاع- بتقنيين جدد.

وجوجل ليست وحدها؛ ففي أواخر العام الماضي فازت مايكروسوفت بعقد للحوسبة السحابية بقيمة 10 مليارات دولار مع البنتاجون؛ بهدف "زيادة القوة الفتاكة للجيش". وتواصل أمازون -التي حاربت أيضًا بقوة للحصول على عقد بقيمة 10 مليارات دولار- لتوفير البنية الأساسية السحابية لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ووكالة الهجرة والجمارك الأمريكية.

ويدعَم هذا التقارب الجديد للحكومة الأمريكية القلق على نطاق واسع من أن صعود صناعة التكنولوجيا في الصين قد يؤدي لنهاية هيمنة وادي السيليكون على هذا القطاع. وفي العام الماضي، كتب كل من المستثمر التكنولوجي بيتر ثيل وشميدت مقالات افتتاحية في صحيفة نيويورك تايمز، مشددين على أهمية أنْ يبدأ وادي السيليكون في العمل والتعاون مع البنتاجون، وإلا ستفوز الصين.

وفي العام 2017، افتتحت جوجل مختبرًا للذكاء الاصطناعي في بكين، مُعلِنة أن "الذكاء الاصطناعي وفوائده ليس لهما حدود". وفي العام 2016، كان مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرج، حريصًا على الاستفادة من سوق الإعلانات الضخم في الصين؛ حيث كان يغازل الصين بقوة باستخدام أدوات الرقابة المطورة حديثًا لإرضاء المسؤولين الصينيين.

لكن في الوقت الذي يلقي فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باللائمة على الوباء على الصين، وينخرط في تصعيد متبادل بشأن هونج كونج، وصلت العلاقة المضطربة بالفعل بين الولايات المتحدة والصين إلى مستوى منخفض جديد. وانسحب المسؤولون التنفيذيون في مجال التكنولوجيا في الصف، واتَّحدوا وراء الخطاب المعادي للصين، واستخدموا التعدي الصيني لتبرير العقود العسكرية ودرء اللوائح. وفي العام الماضي، حذر جيف بيزوس الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، من أن البلاد قد تكون "في مأزق" إذا أدارت الصناعة ظهرها للبنتاجون. وحث زوكربيرج، بعد ثلاث سنوات فقط من مغازلة الصين بأدوات الرقابة، المشرعين الأمريكيين على التوقف عن محاولة تنظيم العملة الرقمية الجديدة لفيسبوك "ليبرا"، وإلا فإن نشر "القيم الديمقراطية الأمريكية والرقابة حول العالم" من خلال القيادة المالية سيكون في خطر.

ولكن تحت جاذبية القومية للتخلي عن التنظيم، يكمُن السؤال الأيديولوجي الأعمق حول كيف يجب أن يتصرف وادي السيليكون للبقاء في صدارة صناعة التكنولوجيا المزدهرة في الصين؟ فلسنوات عديدة، مثّل النجاح العالمي لوادي السيليكون انتصارًا لليبرالية الغربية التقدمية على الرأسمالية الاستبدادية في الصين. وأصبحتْ جوجل حجر الزاوية في الابتكار، في حين أن شركات التكنولوجيا الصينية -التي لا يستطيع معظم الناس حتى سرد أسمائها- تم تحويلها إلى مجرد شركات مقلدة. ولكن مع صعود شركات Alibaba وTencent وHuawei وغيرها الكثير، أصبح النظام العالمي لوادي السيليكون موضع تساؤل.

وفي الواقع، وعلى غرار الشركات متعددة الجنسيات الأخرى، اعتمدت شركات وادي السيليكون أيضًا على اليد القوية لسياسات الولايات المتحدة لإدماج البلدان النامية بقوة تحت رعاية الليبرالية الجديدة لإلغاء الضوابط والخصخصة والتحرير. لكن اليوم، انقلبت الأدوار؛ فقد ازدهرت شركات التكنولوجيا الصينية لتصبح منافسا كبيرا، وتحولت أخيرًا إلى وضع يمكنها من تحدي الإنترنت الذي يهيمن عليه الغرب تمامًا. وعلى الرغم من النمو الهائل بين عمالقة التكنولوجيا في الولايات المتحدة خلال الوباء، أصبحت شركة الاتصالات الصينية هواوي أكبر بائع للهواتف المحمولة (متجاوزة آبل وسامسونج)، في حين تفوقت Tencent على فيسبوك، لتصبح شركة الوسائط الاجتماعية الأكثر قيمة في العالم. وبات تيك توك الصيني ينافس بقوة تطبيق الفيديو الشهير إنستجرام. وكل هذا يؤكد أسوأ مخاوف النخبة التكنولوجية في وادي السيليكون.

ولن يكون أمام شركات التكنولوجيا خيار سوى اللعب ومضاعفة تعاونها مع حكومة الولايات المتحدة أو المخاطرة باستعدائها كليًّا؛ مما قد يعني مواجهة المزيد من الأوامر التنفيذية والقوانين وخسارة العقود الحكومية المربحة.

لقد انتهى النظام النيوليبرالي في وادي السيليكون، ومنه ظهر عصر جديد من القومية التكنولوجية، وسيتم تقسيم الإنترنت بشكل أكبر بين الحدود الوطنية وصناعة تكنولوجيا أكثر عسكرة، وقد يكون سباق التسلح الفعلي القائم على الذكاء الاصطناعي، أمرًا لا مفر منه.

تعليق عبر الفيس بوك