سفن هاب

 

غسان الشهابي

يعتبر الكثير من المحللين الاقتصاديين، والنفطيين منهم بالتحديد، أنَّ النفط من السلع الهشة في الأسواق، إذ إنَّ جوانب نفسية قادرة على الارتفاع بأسعارها، أو الهبوط بها إلى ما دون مستوى سطح الأرض، ناهيك عن الأسباب المنطقية مثل التشبع وانفلات الإنتاج والتلويح بأيِّ مشكلة يمكنها أن تسد الشرايين الرئيسية للتزود بالنفط عالمياً.

ولكنَّ الدول الكبرى المُستهلكة للنفط استطاعت أن تجد لها صيغاً مُختلفة تنامت عبر العقود لتصل إلى ما يُمكن أن يجعل الاعتماد على النَّفط في أدنى حدوده، وعززت هذا التوجه بالاستثمار في الأبحاث الخاصة بالطاقة المُتجددة، إذ كلما أمكن الاستغناء عن برميل نفط واحد بسبب الطاقة المُتجددة (الشمس، والرياح، والموج مثلاً) كلما حازت الدول المستوردة استقلالاً أكبر، وشرقت الدول المُنتجة بنفطها إن لم تجد من يشتريه بالسعر المعقول. ففيما تتوقع شركة النفط البريطانية (BP) العملاقة أن تكون نهاية الاعتماد على النفط كمصدر للطاقة في العام 2040، فإنَّ شركة "شل" تتعجل هذه التوقعات إلى العام 2025 حيث يصل في هذا العام الطلب على النفط إلى الانهيار.

دول مجلس التعاون الخليجي ظلت لعقود تسمع التحذيرات المتتالية من خطورة الاعتماد على النفط ولكنها كانت كمن لا يعنيه الأمر، فقد دعاهم الخبراء المحليون والأجانب ليلاً ونهاراً، قالوها جهاراً نهاراً، وأسرّوا بها إسرارا، ولكن في نهاية المطاف استجابت هذه الدول وقامت – الواحدة تلو الأخرى – متثاقلات لتنويع مصادر الدخل، وأكثرها فعل ذلك اعتماداً على الطاقة الأحفورية، حتى أنهم في وقت سابق من مطلع هذا القرن قرروا – ومعهم العراق أيضاً أو أجزاء منه بعد 2003 – أن يكونوا مراكز رئيسة Hub. مراكز لماذا؟

لننظر إلى الخُطط الاستراتيجية المستقبلية لهذه الدول، سنجدها جميعاً ذاهبة لتكون مركزاً تجارياً في المنطقة، ومركزاً لوجستياً في المنطقة، ومركزاً مصرفياً في المنطقة، ومركزاً للاستثمار العقاري في المنطقة، ومركزاً سياحياً في المنطقة، ومركزاً ترفيهيا في المنطقة، ومركزاً استثمارياً في المنطقة، ومركزاً تعليمياً في المنطقة، ومركزاً استشفائياً في المنطقة، ولا أحد يقول خلاف ما يقول غيره فالجميع لديه موقع استراتيجي، والجميع لديه مُميزات نسبية، والجميع يعتمد على القوى البشرية المُؤهلة، وهذا الأمر ليس جديداً في المنطقة أيضاً. فما أن بدأت هذه الدول الاعتماد على نفسها، راحت ترى ما تفعله جاراتها وتُحاول أن تفعل ما هو أكبر منه، حتى تفشل المشاريع الصغرى وتتفرد هي وحدها، وبُعداً للحساسيات المعروفة لا أود استعراض بعض من هذه المشاريع المعروفة التي تكلف المنافِس والمنافَس الكثير من الطاقات حتى يقول كل منهما إنه الأبرز في هذا الميدان.

اليوم أيضاً يُحذر الخبراء الخليجيون – قبل غيرهم وأكثر حُرقة من غيرهم – من هذا التراكض على التشابه بين الدول الخليجية، ورغبة كل منها في أن تستحوذ على كل الميزات النسبية الجاذبة للاستثمارات واستعداداً لعصر ما بعد النَّفط، وعدم قبولها لأن تسعى للتكامل في بحيرة صغيرة يُمكن لدولة منها أن "تمرر الكرة" الاستثمارية للأخرى، وكل منها تعكف على تطوير بعض من الميزات والخصائص، ويتقاسم الجميع "اللقمة" في وقت إن فشلت هذه الدول في إدارة اقتصادها مستقبلاً، فإن اختلالات كبرى مرشحة للحدوث، أو كما قال البروفيسور بول ستيفنز، الزميل البارز في مركز أبحاث الشؤون الخارجية البريطاني، تشاتام هاوس، لبي بي سي: "كلما أُنجز الانتقال إلى مصادر الطاقة المُتجددة بشكل أسرع، ازداد انخفاض عائدات الغاز والنفط، وازداد الأمر سوءاً، ونحن بانتظار أن نشهد فشل العديد من الدول".