طالب المقبالي
بَعدَ التعديلات الأخيرة التي أجراها حَضرة صاحب الجلالة السّلطان هيثم بن طارق المُعظّم -حفظه الله ورعاه- بشأن الجهاز الإداري للدولة وإصدار 28 مرسوماً سلطانياً سامياً، تضمنتْ تشكيلاً وزارياً جديداً وإلغاء بعض الوزارات والهيئات والمَجالس ودمْج بعضها، انهالت التُّهَم عبر منصّات التواصل الاجتماعي لبعض الوزراء ورؤساء الهيئات الذين خرجوا من الخدمة بسبب إلغاء بعض الوزارات والهيئات والمجالس ودمْج بعضها.
فليس معنى عدم تكليف المسؤولين الذين كانوا على رأس تلك المؤسسات الملغية أنهم غير صالحين، أو فاسدين كما يراهم البعض.
فمنهم مَن تَقدّم به العُمر وَآنَ الأوان لِكي يرتاح كَبقية البَشَر، فيأخذ قِسطاً مِن الراحة خلال الفترة المُتبقية مِن عُمره، ولا شكّ أنّ هناك مَن طالَب بنفسه بالإعفاء مِن العمل مِن أجْل الراحة والابتعاد عن الضغوط والمسؤوليات، وهناك من أُعفِيَ باعتبار أنّ مؤسسته قد أُلغيَت فلا بُدّ مِن إحالة بعض المسؤولين إلى التقاعد حالهم كَحال أيّ مواطن قدْ أمضى فترةً طويلةً في العمل، فلَو لمْ يتمّ الاستغناء عنهم لكان لابُدّ مِن إيجاد مَقاعد لهم، ولن يتحقق ذلك إلّا باستمرار الحال على ما هو عليه من تَكدّس وترهُّل في هذا الجهاز؛ فالمسؤولون الذين خرجوا والكلّ يشهد بما أنجزوه لمْ يكنوا ليخرجوا لو لمْ تكُن ثمّة أسباب لِتركِهم العمل.
فعلى سبيل المثال: يوسف بن علوي بن عبدالله، هذا الرَّجل قدّم الكثير لهذه البلاد، وهو مِن أقدم الشخصيات التي عاصرتْ مَسيرة النهضة في البلاد برفقة المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيّب الله ثراه- وقد لُقِّب مَحلياً وعربياً ودولياً بطائر السلام، وهو كذلك دون شكّ أو رَيب. هذا الرجل مِن إكرامه أنْ يرتاح وأن يستقرّ في بيته وبين أفراد أُسرته، فقد عاش جُلّ حياته مُتنقلاً بين الدّوَل، وأجزم أنّ حقيبة ملابِسه كانت على الدوام مُهيئةً للسفر.
كذلك الدكتور أحمد بن مُحمد الفطيسي، هذا الرجل من أكثر الوزراء الذين برزتْ إنجازاتهم لاسِيّما في المشروع الكبير لمطار مسقط الدولي، والطرق الحديثة، ومن أبرزها طريق الباطنة السريع المُمتدّ مِن ولاية بركاء بمحافظة جنوب الباطنة إلى ولاية شناص بمحافظة شمال الباطنة بِطولٍ يزيد عن 272 كيلومترا، وبأربع حارات في كلّ اتجاه، والذي يُعتَبر نقلةً في التصميم والمُواصفات، كذلك طريق الشرقية السريع الذي يبلغ طوله 246 كيلومتراً وبحاراتٍ ثلاثٍ في كلّ اتجاه، وطريق أدم - ثمريت الذي يُعتبر مِن أطوَل الطّرق على مستوى السلطنة، حيث يبلغ طوله أكثر مِن 717 كيلومترا وبحارتين في كلّ اتجاه، كذلك التَّوسعة الجديدة لطريق مسقط - الداخلية، وازدواجية العديد مِن الطّرق في مُختلف محافظات السلطنة.
هذا الرجل لمْ نسمع عنه ما يُعيب، وقدْ خَصَّصتُ لهُ مَقالاً بعنوان: "الفطيسي واحد منهم"، نشرَته جريدة الرؤية بتاريخ 10 /5 /2017 قلتُ فيه: "معالي الدكتور أحمد بن محمد الفطيسي وزير النقل والاتصالات أحد الوزراء الذين عمِلوا وأخلصوا وبذلوا قُصارى جهدهم لخدمة هذا الوطن، فكلّما ذُكر هذا الاسم تتسلّل إلى نفسي البهجة والسرور، وترتَسم في مُخيّلتي تلك الإنجازات التي حقّقَتْها وزارة النقل والاتصالات في عهده، بدءاً مِن طريق الباطنة السريع الذي يُعتَبر تحولاً ونقلة نوعية في الطُّرُق في السلطنة، وكذلك طريق بدبد - صور، هذا الطريق الذي سيوقِف نزيف الدّماء التي ظلّتْ تنزف طوال أربعة عقودٍ ونصف، ولنعرّج قليلاً إلى مطار مسقط الذي كان قابَ قوسَين أو أدنى من الفشل، وكذلك مطار صلالة". ولكنْ مِن حقّه أنْ يخلُد إلى الراحة ويستريح مَن الأَعباء المُلقاة على كاهِله، فَكَما أننا كَموظّفين عاديّين نطلب التقاعد طواعيةً لنتفرّغ لحياتنا الخاصّة، كذلك هؤلاء الوزراء يرغبون في التفرّغ لحياتهم الخاصة، فهُم في الأول والأخير بشَر.
ومِن المسؤولين الذين أشهدُ شخصياً بإنجازاتهم لِما حقّقوه في مؤسساتهم: الشيخة عائشة بنت خلفان بن جميل السيابية، والدكتور سعيد بن خميس الكعبي الذي نهض بهيئة حماية المُستهلك التي كشفتْ لنا خَبايا تجارة المواد الاستهلاكية والغشّ الكبير الذي تتعرّض له بصورةٍ منظمةٍ مِن قِبل العَمالة الوافدة بالخصوص والتي لا يُهِمّها سوى الكَسب السريع على حِساب صحّة المُواطن والمُقيم.