علي بن بدر البوسعيدي
طرق الهلاك عديدة ومتنوعة، لكنها أشدها وطأة على النفس عندما يتعمد المرء منِّا إهلاك نفسه وإزهاق روحه بالتدريج، ولا طريق أقصر إلى الهلاك سوى التدخين، الذي بات- مع الأسف- ظاهرة مُجتمعية دخيلة علينا، أخذت في التزايد خلال السنوات الماضية، ورغم مخاطرها الجمَّة وتداعياتها العنيفة على الصحة والمال والعقل، إلا أنَّ أعداد المدخنين تتزايد، سواء تدخين السيجارة التقليدية أو تدخين الشيشة!
التدخين آفة تنخر في عظم وجسد كل مُدخن، ربما يفرح بها، ربما تمنحه- زورا وبهتانا- وجاهة اجتماعية أو كاريزما كاذبة، لكنها من المُؤكد تنهش في رئتيه كلما استنشق نفساً منها، وتُضعف أسنانه وتضر ببلعومه، فضلاً عن أضرارها الصحية الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها.
فالمدخن ليس فقط يخسر المال بشرائه السجائر يوميا وتدخينها بشره، لكنها تدمر صحته، والدراسات الطبية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك مدى خطورة التدخين على الصحة، خاصة إذا كان المدخن كبيرا في السن أو يعاني من أمراض مزمنة، أو أن المدخن امرأة حامل أو مرضعة، ففي جميع الأحوال التدخين خطر مدمر. ويبدو أنَّ الحملات التوعوية بخطر التدخين قد توقفت، ولا نعلم ما السبب في توقفها، ولا نجد مستفيدا من ذلك سوى شركات التبغ التي تقتات على صحة النَّاس. حتى أنَّ العبارات التوضيحية التي تستحوذ على أكثر من نصف حجم علبة السجائر لا تمثل الرادع الكافي للمدخنين، بل وجدنا من المدخنين من يستهزئ بهذه العبارات التحذيرية، بل إنَّ هناك أغلفة يشترونها لوضع علبة السجائر فيها لتغطية هذه العبارات، حتى لا تتأذى نفسه، يا للعجب!!
وبصراحة شديدة بتُ أندهش للغاية من ازدياد عدد المحلات التجارية المتخصصة في بيع "لوازم التدخين"، ولا أدري لماذا أصلا سمحت الجهات المعنية والبلديات بهكذا نشاط تجاري، فهو لا يعود بالنفع على أي فرد، اللهم سوى صاحب المحل! حتى إن السكان المجاورين لهذه المحلات يشكون من الرائحة الكريهة المُنبعثة من داخلها كلما مروا من أمامها، إلى جانب احتشاد شباب ومراهقين أمام هذه المحلات لشراء ما يحتاجونه من "المزاج"، والأغرب كذلك في هذه المحلات أسماؤها التي تحمل دلالات بعضها لا يُمكن القبول به، فتجد محلا باسم "الكيف"، رغم الدلالات السلبية لهذه الكلمة!
نحمد الله أن فيروس كورونا- رغم مساوئه وسلبياته التي لا حصر لها- إلا أنه نجح في خفض أعداد المدخنين، إذ إنهم الأكثر عرضة لتفاقهم أوضاعهم الصحية إذا ما أصيبوا بالفيروس، كما تسبب الفيروس في غلق مقاهي الشيشة التي كانت تُؤذي الجميع، من سكان ومارة، وما كانت تسببه من تلوث شديد للهواء، هذا لا يعني أننا ضد هذه المقاهي، بل يجب عليهم عند العودة للعمل مجددا أن يتوقفوا عن بيع الدخان والشيشة، ويكتفوا بالمشروبات والمأكولات الصحية.
إنني أوجه نصحيتي إلى كل مُدخن بأن يتجنب إهلاك نفسه بيده، فالله سيسألنا جيمعاً عن صحتنا، وسيحاسبنا على أي تقصير أو خطأ متعمد في حقها.. حفظنا الله وإياكم من كل الشرور وصرف عن بلادنا آفة التدخين.