الحلول الإجرائية لمشكلاتنا المالية

 

علي بن مسعود المعشني

لا يختلف عاقلان في حجم الأزمة المالية التي تعيشها سلطنتنا الحبيبة أيامنا هذه والتي نتجت عن انهيار أسعار النفط أولًا وتبعتها أزمة كورونا وسبقتهما أزمة الاقتصاد الريعي الذي استندنا عليه لما يُقارب الخمسة عقود ولازلنا والذي أوصلنا بالنتيجة إلى دولة بلا استثمارات ولا صندوق سيادي حقيقي يقينا من هكذا أزمات.

هذا الأمر تطلب من الحكومة إعادة هيكلة أولوياتها في الإنفاق والتنمية، بل وإعادة النظر في أعداد الكادر الإداري المنتسب إليها عبر تفعيل قانون التقاعد الإجباري، فتقليب الموجود والاستعانة بالموروث الإداري واللجوء إلى الحلول والمُعالجات التقليدية كوصفة جاهزة كانت حاضرة في أذهان المسؤولين لهذا لم نشهد ضوءًا حقيقيًا في نهاية النفق وإن كنَّا متأملين ذلك.

السمة الغالبة على الإجراءات الحكومية تلك كانت على قدر الوفورات المالية وعلى قدر ممكنات تحصيلها سواء عبر تقليص الإنفاق أو عبر المزيد من الضرائب والرسوم وبالتالي هذا الانهماك الفولكلوري للحكومة أفقدها في تقديري الكثير من الأوراق المجدية خارج الصندوق؛ حيث شكلت تلك المُعالجات مهربًا لبعض الوقت من حافة الإفلاس وأصبحت تقاتل على جبهة توفير الرواتب فقط لاغير.

وبالتالي تعاظمت فاتورة الاستحقاقات عليها وترحلت قضايا حيوية كقضية الباحثين عن عمل ليضاف عليها قضايا المسرحين من العمل وجبر ضرر المتقاعدين وخسائر كورونا وما أدراك ما كورونا.

لهذا أطرح ومن باب الاختصار جملة من المُعالجات الإجرائية والتي أعتقد بجدواها في رفد خزينة الدولة ومُواجهة المشكلات الحديثة والمُرحلة للوطن وهي:

•    ضرورة فرض رسوم على مبالغ التحويلات المالية لخارج السلطنة.

•    ضرورة توسعة صندوق الأمان الوظيفي ليصبح صندوقاً للأمان الوظيفي والاجتماعي معاً، ويغطي الباحثين عن عمل والمسرحين والمُعسرين ومن في حكمهم، ويُغطى من هبات حكومية منتظمة وتبرعات أهلية فردية ومؤسسات تجارية وجمعيات خيرية، عبر صناديق وحسابات وروابط تقنية مُتاحة تحفز على التبرع وتستدر الخير وتديره.

•    ضرورة فرض استخدام أجهزة الدفع ببطاقة الائتمان على كافة الأنشطة بالسلطنة بلا استثناء وتخصيص جزء من رسومها لصندوق الأمان الوظيفي والاجتماعي.

•    ادخال رسم معلوم لا يتعدى 500 بيسة كمثال في كل مُعاملة رسمية في الدولة لدعم الصندوق.

•    دمج جميع مؤسسات التمويل القائمة في السلطنة (بنك الإسكان، بنك التنمية، صندوق الرفد، ريادة، صندوق الشباب "شراكة") تحت مظلة تمويلية واحدة وبرأسمال واحد، والترخيص لها بممارسة العمل المصرفي كبنك مصرفي، لتمارس دورها في خلق فرص العمل وتقديم القروض بشروط ميسرة وجاذبة وبدون فوائد وتعويض تسهيلاتها تلك عبر ذراعها المصرفي التجاري.

•    ضرورة فرض التأمين الصحي الإجباري على العمالة الوافدة، والاختياري على المواطن ليتمتع بمجانية العلاج في المؤسسات العلاجية الخاصة والعلاج بالخارج كذلك وفق منسوب مُساهمة ومفاضلة مدروسة وجاذبة.

•    ضرورة تفكير وزارة العمل في كيفية خلق مداخيل عبر استثمار العمالة الوافدة من رسوم ودخول تأهيل وتجهيز المناطق الصناعية وأماكن تجمع العمالة بوسائل الرياضة والترفيه والسكن والتغذية والمناشط المدفوعة.

•    ضرورة جعل عام 2021 عام التخلص من آثار كورونا الاقتصادية والنفسية وذلك عبر التخطيط الجاد لاستقطاب 10 ملايين سائح على الأقل من خارج السلطنة، وعلينا أن نتخيل مُساهمة هؤلاء في إنعاش الاقتصاد عبر نافذة السياحة بدءًا من رسوم الدخول وإلى رسوم غرامات التخلف ومرورًا بإنفاقهم على السكن والمأكل والنقل والتسوق.

•    ضرورة التفكير الجاد في التقليل من أيام وساعات العمل للتشجيع على التسوق والسياحة الداخلية وتقليل الإنفاق على الخدمات ووسائل النقل والمحروقات في المؤسسات الحكومية على وجه التحديد.

•    ضرورة التفكير الجاد في العودة إلى تسعيرة النفط القديمة 120 بيسة مع منح كل مواطن كوبون بـ350 لتراً شهرياً وما زاد على ذلك يُعامل بتسعيرة السوق المُتحركة.

•    بما أنَّ بند الرواتب يستهلك 6 مليارات ريال عُماني سنوياً وهو ما يُشكل مبلغًا مهولًا في مجموع الدخل، فحبذا لو فكرنا جديًا في كيفية توفير نصف هذا المبلغ في عام واحد عبر منظومة مُتكاملة تتوافق فيها إجراءات الحكومة مع البنوك وشركات التمويل والاحتياطي الغذائي العام للدولة وهيئة تنظيم الخدمات العامة، وذلك بصرف نصف راتب كامل لكل موظف مع وقف تحصيل أقساطه البنكية والتمويلية- إن وجدت- ورسوم الكهرباء والماء كذلك، مع تمتعه ببطاقة تموين تخوله الحصول على المواد والسلع الرئيسية بسعر التكلفة من مخازن ومنافذ الاحتياطي العام للدولة، ويُمكن في المقابل جبر ضرر تلك المؤسسات المساهمة بدعم هذا المشروع الوطني من مداخيل النفط والغاز والرسوم وفوائد الودائع الحكومية. وللحديث بقية.

قبل اللقاء: نحن نأتي بالأذكياء كي يقولوا لنا ماذا نعمل، وغيرنا يأتي بالأذكياء ليقول لهم ماذا يعملون!!

وبالشكر تدوم النعم..