"متلازمة الإجهاد المزمن".. عندما يتحول "كوفيد- 19" إلى مرض دائم

 

ترجمة- رنا عبدالحكيم

سلط تقرير لمجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية الضوء على تداعيات تحول "كوفيد- 19" إلى مرض مزمن، مشيراً إلى أنه في مارس الماضي، عندما بدأت حالات المرض ترتفع ارتفاعاً هائلاً في دولة تلو الأخرى، ركز الأطباء على مسألة إنقاذ حياة المرضى، وأسهم التشارك السريع للمعلومات والتجارب السريرية والخبرة العملية في خفض حدة المرض وقدرته على الفتك بالبشر.

ففي بريطانيا، توفي حوالي نصف المرضى الذين عولجوا في وحدات العناية المركزة (ICUs) حتى منتصف أبريل، وبحلول نهاية يونيو كان معدل الوفيات أقل من 30%. ورصدت الانخفاضات في جميع الفئات العمرية، مما يعني أنَّ الانخفاض لا يمكن أن يكون بسبب قلة أعداد كبار السن الضعفاء الذين وصلوا إلى المستشفى. وفي الأماكن التي هدأت فيها وتيرة الوباء، كانت العنابر الطبية الأكثر هدوءًا تعني رعاية أفضل، لكن المعرفة المتزايدة عن العلاج ربما تكون مسؤولة عن الكثير من التحسن، فقد تعلم الأطباء الكثير، وتوقفوا عن دفع مرضى كوفيد- 19 إلى أجهزة التنفس الصناعي، مما قد يتسبب في تلف الرئة؛ فالأكسجين غالباً ما يُؤدي المهمة.

وفي وحدات العناية المركزة البريطانية، انخفضت نسبة مرضى كوفيد- 19 الخاضعين للتنفس الصناعي من 90% في الأيام الأولى إلى 30% في يونيو الماضي. وتحسنت بروتوكولات العلاج بشكل أكبر مع إضافة عقار "ديكساميثازون"، وهو دواء مثبط للمناعة يزيد من معدلات البقاء على قيد الحياة لدى المرضى المحتاجين إلى الأكسجين.

الآن، وعلى الرغم من ذلك، يحوِّل الأطباء والعلماء تركيزهم إلى أولئك الذين نجوا من العدوى، بما في ذلك مجموعة فرعية من الأشخاص الذين لم يتعرضوا لأعراض تجبرهم على دخول المستشفى، لكنهم أيضًا لم يتعافوا بشكل كافٍ للعودة إلى الحياة الطبيعية.

وبالنسبة لمعظم الأشخاص، يُعد كوفيد- 19 مرضًا قصيرًا وخفيفًا، فما بين ثلث ونصف المصابين لا يلاحظون أي أعراض، وهناك من تتلاشى الأعراض لديهم في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع مع الراحة في المنزل فقط. وفي أوروبا، يدخل حوالي 3-4% فقط من المصابين بالمرض إلى المستشفى.

ومع ذلك، أصبح من الواضح أنَّ هناك نسبة صغيرة- لكن عددا كبيرا- من المُصابين تظهر عليهم أعراض تستمر لعدة أشهر، فالشفاء المطول ليس بالأمر غير المعتاد للمرضى الذين يدخلون المستشفى بسبب الالتهاب الرئوي، وهو أمر يتكرر مع كوفيد- 19، كما إنِّه شائع أيضًا للأشخاص الذين دخلوا وحدة العناية المركزة، والذين يعانون من مرض خطير. لكن العديد من الأطباء يقولون إنَّ نسبة مرضى كوفيد- 19 الذين يعانون من مشاكل مزمنة أعلى بكثير مما يُلاحظ في الأمراض الفيروسية الأخرى مثل الإنفلونزا.

وتقول سالي سينج من جامعة ليستر، التي تقود تطوير برنامج إعادة تأهيل كوفيد- 19 للخدمات الصحية في بريطانيا، إنَّ المشكلات أيضًا أكثر تنوعًا، وغالبًا ما تشمل أعراض الرئة والقلب والأعراض النفسية.

كانت التقارير الإخبارية عن مرض مزمن تُنشر في وسائل الإعلام، منذ الأيام الأولى للوباء، لكن مع تأكيد إصابة أكثر من 22 مليون حالة في جميع أنحاء العالم، ومع بلوغ مُعدلات الإصابة ذروتها قبل عدة أشهر في معظم البلدان الغنية، بدأت الأنماط الإحصائية حول آثار الفيروس في الظهور.

وخلصت ورقة بحثية في "المجلة الطبية البريطانية" نشرت في 11 أغسطس، إلى أنَّ ما يصل إلى 60 ألف شخص في بريطانيا يعانون من أعراض مزمنة، ومع ذلك، يبدو أنَّ حوالي 6% فقط من سكان بريطانيا- أي حوالي 4 ملايين شخص- أصيبوا بالفيروس حتى الآن.

وتُعد شدة المرض أحد العوامل المسببة لمشاكل مزمنة. ويرى إيان هول مدير مركز الأبحاث الطبية الحيوية في جامعة نوتنجهام البريطانية، أن 30-50% من المرضى المنومين في المستشفيات من المصابين بعدوى كوفيد- 19 يعانون من أعراض كبيرة بعد ستة إلى ثمانية أسابيع من خروجهم من المستشفى. ويرتفع هذا الرقم بشكل أكبر بالنسبة للمرضى الذين دخلوا وحدة العناية المُركزة. لكن حتى أولئك الذين نجوا من مرض خفيف، معرضون للخطر. فأكثر من 10% منهم ما يزالون بخير لأكثر من 3 أسابيع، وفقًا لدراسة لتتبع المرضى الأمريكيين والبريطانيين، لكن لوحظ أنهم يعانون من التعب وضيق التنفس وآلام بالجسم ومشاكل إدراكية والتي يصفها الكثيرون بـ"ضباب الدماغ".

ويقول أفيندرا ناث من معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، إنَّ بعض مرضى كوفيد- 19 على المدى الطويل قد يُعانون من حالات غير مشخصة مثل مرض السكري أو خلل في الغدة الدرقية، والتي "تكشف" عن العدوى. وبالنسبة للآخرين، فإنَّ مجموعة الأعراض مشابهة بشكل واضح لتلك التي تظهر في متلازمة الإجهاد المزمن (CFS). وما تزال الأسباب البيولوجية لمتلازمة الإجهاد المزمن غير مفهومة جيدًا، لكن البيانات الواردة من أمريكا تشير إلى أنَّ ثلاثة أرباع الحالات تتبع عدوى فيروسية أو بكتيرية.

وإحدى الفرضيات تتمثل في أنَّ المتلازمة ناتجة عن فشل الجهاز المناعي في التراجع بشكل صحيح بعد استدعائه لمحاربة العدوى. وفيروس SARS-CoV2، المُسبب لمرض كوفيد- 19، من المرجح بشكل غير عادي أن يُثير مثل هذا التفاعل المُفرط المُستمر.

ويقول كلايد يانسي طبيب القلب بجامعة نورث وسترن في إلينوي الأمريكية، إنَّ الأخبار الواردة من ألمانيا مُقلقة، فباستخدام فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي، وجدت إحدى الدراسات دليلاً على أنَّ كوفيد-19 يسبب الالتهاب وتغيرات أخرى في القلب، بما في ذلك الأشخاص الذين ثبتت إصابتهم بالفيروس قبل أكثر من شهرين وكانوا بحلول وقت الفحص خالين من الأعراض. وكانت التغييرات صغيرة، ولم تكن كافية في حد ذاتها لإحداث أعراض إكلينيكية. لكن حتى الإصابة الطفيفة للقلب قد تُؤدي في النهاية إلى فشل القلب إذا استمرت لفترة كافية، كما يقول الدكتور يانسي.

ويشكو المرضى الذين يُعانون من أعراض طويلة الأمد بعد الإصابة بالفيروس من الصداع والوخز والخدر في القدمين ومشاكل عصبية أخرى. ويقول الدكتور ناث إن المشاكل التي تشير إلى وجود خلل في الجهاز العصبي اللاإرادي، مثل عدم انتظام ضربات القلب وجفاف الفم ومشاكل الجهاز الهضمي، هي مشاكل شائعة.

ومع غياب فهم كامل للمرض، يجب على الأطباء الاستفادة من دروس الأمراض الأخرى، فالأعراض المزمنة ليست حكراً على كوفيد- 19، وقد يستغرق التعافي الكامل من الأمراض الفيروسية الأخرى مثل الأنفلونزا شهورًا في بعض الأحيان. وتشير البيانات المتعلقة بمتلازمة الإجهاد المزمن إلى أن فرص الشفاء تكون أفضل في الأشهر الثلاثة الأولى.

تعليق عبر الفيس بوك