ناصر بن حبينان.. فروسية وتاريخ

 

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"الأمة التي تحفظ تاريخها تحفظ ذاتها" - راشد رستم

 

في كل زمان دولة ورجال، وأحداث وأفعال، وأسماء وأماكن وصفات، وفي الجزيرة العربية وقبل أكثر من قرن سادتْ الفوضى، وقلَّ الأمن والأمان، وتغيَّرت مفاهيم، وتبدلت قِيَم، وتداول الناس قصصَ البارزين في وقتٍ سيطرتْ فيه القبائل على مُقدِّرات الأرض وتطورات القوة والضعف، وكان القويُّ من شيوخ القبائل هو من يحفظ ويحمي قومه من الغزوات، ويؤسِّس التحالفات مع القبائل المنافسة، في وقت كان فيه البقاء للأقوى.

وقبيلة العوازم الكريمة التي تنتشر في عدد من البلدان العربية، وأهمها الكويت والسعودية، لها تاريخ مُشرِّف كما للقبائل الكريمة الأخرى، وبرزتْ لها عدة شخصيات سطَّرت أفعالها بأحرف من نور في التاريخ، ومن شخصياتها علماء في مختلف مناحي العلوم، وكذلك لها أسماء سياسية اشتهرت، وقدمت شهداء في معارك أوطانها، والتاريخ يشهد للكثير من الأفعال المشرفة التي لا تُعد ولا تُحصى لهذه القبيلة العربية الأصيلة.

ومن فخوذ العوازم فخذ المسامحة من فاضل، ويلقَّبون بأهل الجربا، التي هي عُزوتهم الشهيرة، وذكر التاريخ الكثير من الأفعال الطيبة لرجالهم، ومن أهم شخصياتهم الفارس والأمير ناصر بن حبينان بن غثيغيث بن عبدالله بن فاضل أمير فخذ المساحمة من قبيلة العوازم، ولد عام 1835م تقريبا"، ونشأ على مكارم الأخلاق والرجولة والشهامة والشجاعة والفروسية، وعرف وذاع صيته بين أبناء البادية، وتوفي في الأحساء بالمملكة العربية السعودية عام 1910م. وتوفي أبناؤه في حياته وانقطع نسله، وله بنت اسمها "سارة"، عُرف عنها الكرم، وأن لها أوقافا في منطقة الأحساء، ويعد من الشعراء البارزين في عصره وعرف شعره بالقوة والرصانة وحبك المعاني الجميلة.

وفي جزء من حياته، سَكن الفارس والشاعر بن حبينان بجوار فخذ السفران من قبيلة العجمان الكريمة، وكانت العشرة الطيبة والأخوة والمعزة بين المساحمة وآل سفران، وبعد وقت من العشرة قرر آل سفران الرحيل، ولشدة محبة بن حبينان لهم قال فيهم أبيات اشتهرت، ولا يزال الكثير يرددها حتى اليوم:

الدار من عقب السفارين تنعاف...

ما أبغى منازلها ولا ابغى وطنها

أهل سربتن لاحومروا مثل الأشراف...

كمن حفيف ن راح يشكي طعنها

ياجيت مجلسهم رجال وعراف...

وأن حدروا يم البلد هم سكنها

 

وفيما يلي بعض الأبيات من قصائده الشهيرة التي يخاطب بها ابنه "عبود":

عبود صيـور الفتـي بيموتـي...

احفظ وصاتي جارك الله من النار

بالك تصير مناجريـن شموتـي...

بالك تحس بكلمتك خاطر الجـار.

صادق هل الصدقا وخل الفلوتي...

اللي لهم مع حفرة السوء مقدار.

الفارس ناصر بن حبينان وغيره الكثير من الفرسان ذوي الشأن، اختفت الكثير من ملامح تاربخهم بسبب ضعف التأريخ، وربما بسبب البيئة الصحراوية التي يندر وجود من يعرفون الكتابة والتدوين بها، فانتقلت السير والحوادث شفهيا على الألسن، وبالطبع التأريخ الشفهي ليس بقوة التأريخ المكتوب، فالشفهي قد يتجاوز بعض الاحداث أو الأمور بسبب نسيان أو عدم تأكد، على عكس المكتوب الذي عبر التدوين الكتابي يحفظ السيرة ويوثق الحدث بأدق من الشفهي.

لذلك؛ يُعاني الكثير من المؤرخين والمهتمين بالتاريخ من نقص وندرة المصادر والمراجع التاريخية التي تتعلق بهذه الفترات التاريخية التي شهدت بروز دور القبائل اجتماعيا وأمنيا وسياسيا؛ مما جعل الرافد الأهم هو التأريخ الشفهي.

وكان الشعر والقصائد المتناقلة بين الناس هي أهم الأدلة التاريخية، وقتذاك كان الشاعر بمثابة وزير إعلام القبيلة ومؤرخها؛ لذا اهتم المؤرخون بمتابعة وتدوين وحفظ الأشعار والتأكد منها وترتيب أبياتها صونا للأمانة التاريخية في النقل، فأي حدث مؤثر تخلده وتؤرخه قصيدة.

ولا يزال في جعبة التاريخ الكثير مما لم يُروَ من الأحداث، وتبقى همة المؤرخين في التتقيب والبحث والتحليل لتدوين وكتابة التاريخ حفظا للتراث ومآثر الأوَّلين.

 

--------------------------

شُكر خاص للأستاذ حبيب الجليغم، والأستاذ المؤرخ طلال الرميضي على تنبيهي وتزويدي ببعض المعلومات لهذا المقال.