صلالة.. ملتقى القادة والشعوب لدول المجلس

 

 

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

كم أنتِ كبيرة يا صلالة! وكم كنتِ ولا تزالين على خطى أولئك القادة الكبار الذين بخطاهم تجملتِ وتزيّنتِ أكثر، حتى ارتسمت على محيّاك ملامح الجمال والعزة والطيبة والشموخ. صلالة، مدينة التاريخ والعراقة المدينة التي منها تعالت بشائر الأمل بالغد المشرق، والتي طالما احتضنت الفعاليات والأحداث البارزة، وشهدت على محطات مؤثرة في مسيرة عُمان والخليج. فيك اجتمع الماضي بالحاضر، وفيك التقت الإرادات النبيلة التي سعت لتوحيد الكلمة وتقريب الشعوب.

لقد كُنَّا كبارًا حقًا عندما كنا نرى خطوات المؤسسين الأوائل لمجلس التعاون، أولئك القادة الذين حملوا همّ شعوبهم ورسخوا قواعد التعاون والتلاحم. كم كنا نراهم بتلك العظمة والهيبة وهم يزورون سلاطين عُمان ويجتمعون بشعبها، وتحديدًا في محافظة ظفار. كان ذلك المشهد مصدر زهو وفخر، لأننا رأينا بأعيننا معنى الأخوة الخليجية الصادقة، ورأينا كيف كان للتاريخ محطاته في هذه الأرض الطيبة.

اليوم، يتجدد المشهد في صورة أخرى؛ إذ يُشرِّف صلالةَ جلالةُ الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين الشقيقة، في زيارة خاصة تضيف إلى رصيد الأخوة وتعمّق روابط القلوب. ولقد أعادني هذا الحضور الكريم إلى ذكرى والده طيب الله ثراه، الذي جمعته بوالدي صداقة ولُحمة أصيلة. كانت علاقتهما مثالًا في البساطة والصدق، يتحدث بين رفاقه وكأنه واحدٌ منهم، بعيدًا عن التكلُّف والترفع. ما أجمل تلك السجية التي لا يعرفها الكثيرون اليوم!

لطالما روى والدي قصصًا عن هذا الرجل العظيم، وعن مواقف إنسانية خالدة تركت أثرها في القلب والذاكرة. ومن بين تلك المواقف التي أعتز بذكرها، أنه في إحدى المناسبات قدّم والدي أحد أجمل سلالات الجمال العُمانية الأصيلة هديةً إلى جلالة الملك، وكان ذلك الجمل المميز المعروف باسم حليوان. لم أكن أتوقع حينها أن تكون لهذه الهدية بصداها الكبير في مملكة البحرين، حيث أصبح حليوان من نجوم الميادين، وحقق مراكز متقدمة جعلت منه رمزًا للوفاء والاعتزاز، وكأنما حمل معه رسالة محبة من عُمان إلى البحرين.

واليوم، ونحن نرى جلالة الملك حمد بن عيسى يشرف صلالة بحضوره، ويلتقي بأخيه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظهما الله ورعاهما- نستشعر أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن بلمسات أكثر قوة ووضوحًا. إنها صورة تعكس الاستمرارية في نهج المحبة والاحترام المتبادل بين القادة، وتجسّد قيمة الروابط الأخوية التي تأسست منذ عقود.

هذه اللقاءات ليست مجرد بروتوكولات سياسية؛ بل هي ومضات من نور، تؤكد لنا أننا شعوب تتلاقى على المحبة، وتلتقي على الإخاء، وتتوحد على مبادئ الخير والسلام. فوجود القادة الكبار بيننا، ورؤيتهم يجتمعون على هذه الأرض الطيبة، يملأ قلوبنا بالطمأنينة ويمنحنا الشعور بالفخر، لأننا نعلم أن البيت الخليجي ما زال متماسكًا، وأن شعوبه ما زالت على العهد، تسعى للتلاحم وتكريس المصير المشترك.

إن صلالة اليوم، وهي تفتح ذراعيها مُرحِّبةً بجلالة الملك، تستعيد ملامحها التاريخية، وتؤكد أنها كانت وستبقى ملتقى للقادة والشعوب. فالجمال الذي يزينها ليس جمال الطبيعة فحسب، بل جمال المواقف، وجمال الذكريات، وجمال اللقاءات التي تعمق الأخوة وترسم المستقبل.

سلامٌ عليك يا صلالة، وأنت تستقبلين القادة على مر السنين. سلام على جبالك وسهولك الخضراء، وعلى ترابك التي شهدت على لحظات صنعت التاريخ. وسلام على هذه الأخوة التي تتجدد وتزداد متانة كلما مرّت الأعوام. نحن اليوم نعيش فرحة اللقاء، ونكتب فصلًا جديدًا في سجل العلاقات الخليجية، ليبقى شاهدًا على أن المحبة هي الطريق الأجمل، وأن الأخوة هي الإرث الأغلى، وأن صلالة كانت وستظل أيقونة اللقاء وملتقى القلوب.

إنني على يقين بأن برنامج الزيارة لن يحرمنا من صورة للتاريخ على البساط الأخضر، وتناول القهوة العُمانية كما رأيناها يومًا لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، كحضور المغفور لهما بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراهما.

الأكثر قراءة