بالـ"أستا" على "اتحاد القدم"

 

 

 

أحمد السلماني

 

لم يكمل مجلس إدارة الاتحاد العُماني لكرة القدم شهرين ونيف في مقاعده الجديدة حتى بدأت سهام النقد تنهال عليه من هنا وهناك، وكأن العجلة يجب أن تدور في يوم وليلة. لكن الحقيقة أن المشهد يحتاج إلى الكثير من "الأستا"-أي التريث والهدوء- فالتحديات جسيمة، والمشوار طويل، والقرارات المصيرية لا تُقاس بالسرعة بقدر ما تُقاس بالحكمة والرؤية.

المجلس الجديد وضع تركيزه منذ اللحظة الأولى على أهم استحقاق كروي ينتظر منتخبنا الوطني الأول، وهو الملحق القاري المؤهل للمونديال أمام قطر والإمارات في 8 و11 أكتوبر المقبل. وهنا اتخذ قرارًا جريئًا يُحسب له، حين استعان بمدرب عالمي صاحب اسم ثقيل في كرة القدم، وهي خطوة تؤكد أن التفكير منصب على "المفصلي" قبل "الهامشي".

خلال حديث ودي مطوّل مع سعادة السيد رئيس الاتحاد، استشعرتُ جدية الرجل وثقته بخطواته. فقد أشاد كثيرًا بما قدّمه المدرب الوطني رشيد جابر، الذي قاد المنتخب إلى هذه المرحلة بعمل مخلص، كما لم يغفل عن الإشادة بالأندية ورؤسائها الذين يصل عطاء بعضهم حدّ الإنفاق من جيوبهم الخاصة. هذه الروح التضامنية هي رأس المال الحقيقي للكرة العُمانية.

رئيس الاتحاد أكّد أن أبواب الاتحاد مفتوحة للكفاءات، شرط أن يكون شاغلها يفكّر بمصلحة الكرة قبل مصلحته الشخصية، وأن الشراكة مع الإعلام -بمختلف وسائطه- ليست خيارًا تكميليًا بل ضرورة، فالإعلام المرآة التي تعكس الصورة الكاملة، نقدًا كان أو إشادة. هذه الرؤية تذكّرنا بتجارب عربية سابقة حين أسهم الإعلام المسؤول في بناء جسور ثقة بين الاتحادات والجماهير، عندما كانت الحملات الإعلامية عامل قوة ودافع للتطوير لا مجرد أداة للنقد.

لكن الطموحات لا تحجب الواقع، فملفات شائكة تنتظر الاتحاد، أبرزها عزوف الكثير من الأندية عن المشاركة وتجميد نشاط الكرة وخاصة الفريق الأول في 27 ناديًا. هذه إشكالية لا يمكن تجاوزها دون حلول مالية مستدامة، إذ إن تطوير المسابقات والفئات السنية والتسويق والرعاية كلها دوائر متصلة بميزانية الاتحاد والأندية. وقد نرى هنا تشابها مع التجربة الأردنية، حين فرض ضعف التمويل نفسه عائقًا أمام استمرار المنافسات المحلية بكامل قوتها رغم أن المنتخب الأردني بات قوة كروية عظمى على مستوى القارة.

من المهم ألا يتحوّل تأهيل الكوادر إلى سباق أعداد على حساب النوعية. المطلوب كوادر متخصصة مؤهلة، خاصة في مركز "الخبير الفني"، الذي ينبغي أن يكون هو من يرسم خريطة طريق الكرة العُمانية بالتعاون مع مدرب المنتخب، وصولًا إلى طموح الحضور في مونديالي 2030 و2034 بالسعودية.

كما إن ملف المدربين العُمانيين يجب أن يُعطى أولوية؛ فالمؤسف أن نرى الاتحاد يستقدم كوادر أجنبية ويصرف على تأهيلها، بينما يملك الوطن طاقات وطنية أولى بالدعم والتطوير.

خلاصة القول.. لقد لمستُ جدية صريحة من المجلس الجديد ورغبة أكيدة في النجاح، لكن هذه الجدية تحتاج إلى "التروي" من الجميع؛ الاتحاد، الأندية، الإعلام، والجماهير. فإذا تكاملت المنظومة بصدق وشفافية، سنخطو خطوات ثابتة نحو العالمية، أما إن استمررنا في النقد من دون منح الوقت الكافي والتمحيص، فالمنظومة لن تكون سوى "كمن يحرث في الماء".

الأكثر قراءة