د. إبراهيم بن سالم السيابي
يكاد كل يوم نفتح أعيننا على مأساة جديدة من حوادث الطرق. دماء تُراق على الطرق، وأرواح تُزهق قبل أن تكتمل، تاركةً خلفها فراغًا لا يملأه شيء. لم تعد الحوادث مقتصرة على فئة معينة كما تحدثتُ في المقال السابق، بل تشمل جميع فئات المجتمع: الأب، الأم، الجد، الجدة، وأحيانًا الأسرة بأكملها.
كم من ربِّ أسرةٍ فُقد، وكم من أم فقدت حياتها فجأة، تاركةً أسرتها في صدمة وحزن؟ وكم من شاب أو شابة في ريعان عمره كان يحمل طموحات وأحلامًا لم يرَ لها تحققًا، وذهب ضحية تهوّر الآخرين أو الإهمال على الطرق؟ وكم من أحلام ومشاريع لم تُكمل؟
إن ألم الفقد يتغلغل في قلوب الأهل، يترك جرحًا لا يندمل بسهولة، ويُخيِّم على مستقبل الأسرة. كل دمعة تذرفها الأم، وكل صمتٍ من الأب، يذكرنا بقيمة الحياة وحجم المسؤولية على الجميع، وأن كل لحظة غفلة على الطريق قد تُكلِّف الأرواح الغالية.
الخسارة ليست مجرد ألم شخصي، بل في بعض الأحيان فرص ضائعة للوطن. الكفاءات البشرية المؤهلة، التي استثمرت فيها الدولة أعوامًا من التعليم والتدريب، والتي كان من المفترض أن تقود عجلة التنمية، تذهب أدراج الرياح بسبب حوادث يمكن تجنبها. كم من أب وأم كافحا طوال حياتهما ليشهدا فجأة ضياع أحلام أبنائهما وثمار جهودهما في لحظة مأساوية؟ كل دماء تسيل على الطريق تمثل فكرة لم تكتمل، حلمًا لم يتحقق، ومستقبلًا ضائعًا.
فهذه المأساة تؤكد أن تهيئة الطرق وإعدادها عنصر أساسي في السلامة المرورية. فالطرق غير المهيأة من حيث الصيانة، والإشارات التحذيرية، والإضاءة، أو الممرات المخصصة، وعدم الازدواجية، تزيد من احتمالية وقوع الحوادث بشكل كبير. المنحدرات الحادة، والشوارع الضيقة، والمناطق الملتوية، تصبح أكثر خطورة إذا لم تُجهَّز بشكل صحيح. لذا يجب على الجهات المختصة العمل المستمر لتحسين البنية التحتية للطرق، ووضع علامات واضحة، وصيانة دورية لضمان سلامة الجميع. فتهيئة الطريق ليست رفاهية، بل ضرورة تحمي الأرواح وتُقلِّل المخاطر اليومية.
الوقاية تبدأ من الأسرة، التي تغرس في أبنائها احترام الحياة وقوانين المرور، وتستمر في المجتمع عبر حملات التوعية والإرشاد لتعزيز ثقافة السلامة، ومن أخطر الأسباب القيادة تحت تأثير المسكرات أو المخدرات، وهي ممارسة تهدد الأرواح مباشرة، ويجب تغليظ العقوبات ومراقبة المخالفين بحزم كامل، كما يجب التأكيد على أن السائق غير المؤهل يجب ألا يقود في الطرق الخطرة، حفاظًا على حياته وحياة الآخرين.
ويجب أن نُثني أيضًا على جهود شرطة عُمان السلطانية، التي تبذل كل ما في وسعها لحفظ سلامة الطرق من حملات مرورية، ومراقبة مستمرة، وتوعية السائقين. هذه الجهود محل تقدير وإشادة، لكنها مسؤولية كبرى لضمان الرقابة الصارمة على الطرق وضبط المخالفين، خصوصًا المستهترين، أو الذين يقودون تحت تأثير المسكرات أو يستخدمون الهواتف أثناء القيادة؛ فالتقصير قد يُكلِّف حياتهم وحياة الأبرياء.
كل حادث سير ليس مجرد رقم، بل جرح في قلب الوطن. كل ضحية تمثل قصة مؤلمة، وطموحات ذهبت أدراج الرياح، وأيادي كانت ستبني، وعقول كانت ستبدع، وقلوب كانت ستحب وتمنح. الحياة أغلى من أي وقت أو متعة عابرة، ويجب ألا نخسرها بسبب التهور أو الإهمال.
الالتزام بالسرعة المحددة، وربط أحزمة الأمان، وتجنب الهاتف أثناء القيادة، والفحص الدوري للمركبات، خطوات بسيطة لكنها تصون الأرواح. الصبر والانتباه حصننا الأخير أمام المأساة، والمسؤولية تقع على كل فرد في المجتمع.
في الختام.. دماء الأبرياء على الطرق ليست مجرد حوادث، بل صرخة تحذير لكل واحدٍ منّا. فلنعمل معًا على جعل الطرق أكثر أمانًا، ولنمنح كل مواطن فرصة للحياة، للبناء، للأمل، ولتحقيق المستقبل الذي نحلم به في هذا الوطن المعطاء.