"تيك توك" تصب الزيت على نار الحرب التجارية

 

عبيدلي العبيدلي

يوم الأحد الماضي، الموافق 2 أغسطس 2020، خرج علينا وزير خارجية الولايات المتحدة، مايك بومبيو علناً، وعلى شبكة فوكس نيوز، مهددا الصين، بأن "إجراءات معينة ستتخذ في الأيام القليلة المقبلة للتصدي للمخاطر التي يتعرض لها الأمن الوطني الأمريكي من جانب البرمجيات والتطبيقات ذات الصلة بالحزب الشيوعي الصيني، بما في ذلك تطبيق تيك توك لمقاطع الفيديو القصيرة".

جاء ذلك إثر إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن عزمه فرض حظر على "تطبيق (تيك توك) للتواصل الاجتماعي، الذي تمتلكه شركة صينية"، منوهاً إلى احتمال أن يشمل ذلك "حظر استخدام التطبيق في الولايات المتحدة".

من الواضح أنَّ مثل هذا التهديد الذي سبقته تهديدات أمريكية مماثلة، وربما أشد لهجة، إنما يأتي في سياق الحرب التجارية المشتعلة بين واشنطن وبكين منذ ما يربو على عقد من الزمان، تتقدمها قضايا ذات علاقة بقطاع الاتصالات والمعلومات. وقد اشتد أوار تلك الحرب بعد طرح شركة هواوي الصينية تقنيات الجيل الخامس (5G) من الاتصالات.

ويقف وراء تلك الحرب التي تشنها واشنطن على شركة بايت دانس الصينية التي تملك "تيك توك" شكوك احتمال أن تضع الشركة ما بحوزتها من معلومات بتصرف الحكومة الصينية فيما لو أجبرت هذه الأخير تلك الشركة على تسليم بيانات المستخدمين".

ولم تعد تلك الحرب محصورة بين البلدين، بل انتقلت إلى حرب أخرى موازية بين شركات تنتمي كل منها لواحد من البلدين. فقد اتهمت "شركة بايت دانس الصينية المالكة لتطبيق تيك توك للمقاطع المصورة القصيرة، أنها تواجه صعوبات معقدة لا يمكن تخيلها في العمل من أجل أن تصبح شركة عالمية واتهمت في بيان شبكة فيسبوك بارتكاب سرقة أدبية وحملة تشويه ضد الشركة".

لكن مقابل ذلك، وعلى نحو مواز "أكدت شركة مايكروسوفت العملاقة أنها مستمرة في مباحثاتها مع تيك توك لشراء العمليات الأمريكية في التطبيق الصيني المتخصص في تبادل الفيديوهات القصيرة، (مضيفة) أن مديرها، ساتيا ناديلا، أجرى مباحثات مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن الاستحواذ على أنشطة تيك توك".

وتعتبر شركة بايت دينس من الشركات الصينية الناشئة التي أطلقت تطبيقها تيك توك في سبتمبر 2016.  واشترك في خدماته "في غضون عام واحد 100 مليون مستخدم، مع أكثر من مليار مقطع فيديو يتم مشاهدته يوميًا. وتم إطلاق تيك توك في السوق الدولية في سبتمبر 2017. وفي 23 كانون الثاني (يناير) 2018، احتل تطبيق تيك توك المرتبة الأولى بين تنزيلات تطبيقات الجوال المجانية في متاجر التطبيقات في تايلاند وبلدان أخرى".

وواصل التطبيق نموه واستحواذه على المزيد من الأسواق العالمية، وتوسيع نطاق انتشاره في صفوف مستخدمي التطبيقات على الهاتف الجوال، وعلى وجه الخصوص، الفئة الشابة من بينهم.

ووفقا لإحصاءات رسمية، ومنذ العام 2018، "أصبح تيك توك متاحًا الآن في أكثر من 150 دولة، ويدعم 75 لغة. تم تحميل تطبيق تيك توك أكثر من 104 مليون مرة على متجر تطبيقات أبل (Apple). خلال النصف الأول من العام 2018، وفقًا للبيانات المقدمة إلى CNBC بواسطة Sensor Tower، وهي منصة تحليلات للتطبيقات مقرها سان فرانسيسكو، تجاوز انتشار تيك توك، نظيراتها من التطبيقات الأمريكيات المنافسة لها من أمثال فيس بوك، ويوتيوب، وإنستغرام، لتصبح أكثر تطبيقات iOS تحميلاً في العالم خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة".

ومن يراقب تلك الحرب بين واشنطن وتيك توك، بوسعه تلمس القضايا التالية:

  1. أن أسباب النزاعات الدولية ما تزال تندلع بين الدول العظمى بسبب التنافس من أجل السيطرة على المواد الخام والأولية. لكنها تغيرت كما تغيرت أسماء الدول العظمى المسيطرة على امتداد التاريخ. فحلت أمم جديدة مكان أخرى، قبل أن ينتهي بالعالم المطاف كي يصل إلى مرحلة ما عرف بالنظام العالمي ذي القطب الواحد، والمقصود به الولايات المتحدة التي باتت منذ انهيار الكتلة السوفيتية في العقد الأخير من القرن الماضي، تستفرد بتقرير مصير العالم. لكن قوانين اللعبة الدولية أخذت في التغير مع انتقال المواد الخام نحو الحقائق، بعد معالجتها كي تأخذ هيئة المعلومات التي استحوذت على الصدارة في قائمة أهمية المواد الخام في عصرنا الحاضر.    
  2. أن الولايات المتحدة فقدت مكانتها المتقدمة التي كانت تحتلها في ميدان تقنية الاتصالات والمعلومات، بعد أن تجاوزتها دول صغيرة، قد لا تهدد أمنها القومي، لكن زعزعت مواقعها التجارية من أمثال كوريا الجنوبية، ودول أخرى عظمى من مستوى الصين. ومن ثم فهذا يهدد النفوذ الأمريكي على المستوى العالمي.
  3. أن تيك توك قد نجحت خلال فترة قصيرة نسبياً في منافسة قريناتها الأمريكيات، وبات في وسعها، بعد أن تضخم مخزونها المعلوماتي، أن تشكل خطراً حقيقياً في ميادين الصراعات التنافسية على الأسواق العالمية. هذا يؤهلها لبسط نفوذها "المعلوماتي/الخدماتي، وليس بالضرورة العسكري، أو السياسي، على رقعة جغرافية ذات ثقل استراتيجي في خارطة السيطرة العالمية الأمريكية، مما يولد بشكل غير مباشر، وفي حالات أخرى بشكل مباشر، خطرا داهما على الأمن الأمريكي. يتفاقم هذا الخطر في حال نشوب أي شكل من أشكال الصدام المحتمل بين واشنطن وبكين.
  4. أن واشنطن لم يعد في وسعها الاعتماد على قوتها الناعمة من أجل الاحتفاظ بنفوذها العالمي بعد أن دخلت ساحة الصراع أكثر من دولة، جميعها من آسيا. وهذا بدوره ينقل موازين أثقل للصراع العالمي من العالم الجديد إلى مكانه الأصلي في دول قارات العالم القديم. هذا الأمر كان قد تنبأ به الفيلسوف الأمريكي نعوم تشومسكي قبل عقد من الزمان، عندما حاول الإجابة على سؤال طرحه على نفسه، هل في وسع الولايات المتحدة أن تكون في مركز دائرة العالم، وصاحبة القرار الفصل في صراعاته؟
  5. أن العرب، بوصف كونهم ما يزالون ممسكين بملكية القسط الأكبر من إحدى المواد الخام المهمة في الاقتصاد العالمي وهي النفط، مطالبين بأخذ العبر مما يجري حولهم من صراعات حول مواد خام مستقبلية هي المعلومات، عند معالجتهم حاضرهم ومستقبلهم على خارطة العلاقات الدولية، وعلى وجه التحديد مع الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد سكبت قضية تيك نوك الزيت على نيران الحرب المشتعلة بين واشنطن وبكين، وليس أمام العالم من خيار سوى تقبل نتائجها.