لبنان "عم تحكي فرنساوي"

 

ناجي بن جمعة البلوشي

 

لبنان الدولة العربية ذات السيادة والاستقلال هي تلك الدولة المُثقلة بهموم اقتصادية طالت معيشة المواطن البسيط لترمي به أمام خيارات الخوف من المجهول والغموض في المستقبل فيحمل همومه إلى رموز لهم خصوصيات خاصة قد انتخبهم وأعطاهم صوته المقدس وقضيته وشكواه.

لكنهم في الحقيقة استغلوا صوته مرتين الأولى في الانتخابات ووعود الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثانية عندما حركوا مشاعره لتأدية مصالحهم الخاصة وأوراقهم السياسية الصعبة في ظل الفوضى، فجعلوا منه منتفضاً وثائراً ومحتجاً في طرقات المدن الرئيسية وبهذه الوسيلة سيُوصل رسالته التي يظن بأنها رسالة مواطن لحكومته التي يشتكي منها إليها، وهي في حقيقتها فوضى السلطة من أجل السلطة، فبعد شهور بسيطة فصلت بينه وبين الانقسامات التي تمازجت مع طلباته البسيطة حتى وصلت إلى مصالح الكبار السياسية ليستغلونها لأطماعهم السياسية وأوراقهم وأجندتهم الخبيثة. هكذا بدا الحال إلى أن وصل التحادم بينهم إلى الفوضى والفوضى فقط دون أي هوادة ليتبعها انفجار لمخازن مواد كيماوية وزنها 2750 طناً، فهل كان هذا الانفجار من باب الصدفة خاصة وأنَّه في وقت يكون فيه النطق في قضية تفجير وقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

الانفجار المصور بالبث المُباشر والتصوير الدقيق دمَّر مرفأ بيروت وكل المحيط به من مباني حتى وصل عدد القتلى إلى ما يقارب 160 قتيلاً والمصابين 6000 مصاب وهم في ازدياد يومي بطبيعة البحث والانتشال من تحت الأنقاض، الخسائر المادية تقدر بحوالي 15 مليار دولار أمريكي ليزيد المحنة الاقتصادية سوءًا على سوئها، وسؤالنا الذي نطرحه هنا ومما وصلت إليه التحقيقات الأولية على أن شحنة نترات الأمونيوم المخزنة في مستودعات مرفأ بيروت كانت السبب الرئيسي في ذلك الانفجار هو لماذا انفجرت الآن؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان أول الرؤساء أو المسؤولين السياسيين الواصلين إلى لبنان دون أي سابق تنسيق، تبعه بعد ذلك وفد من الجامعة العربية برئاسة أبو الغيظ الذي التقى رئيس الدولة اللبناني وبعض السياسيين اللبنانيين، بينما ماكرون التقى كل اللبنانيين بداية من الرئيس اللبناني وحتى المواطنين ورجال الأمن وأفراد قوى الإنقاذ في موقع مرفأ بيروت، فما الذي حدث بعد التفجير في بيروت ولماذا ماكرون هناك ولماذا أبوالغيظ وصل بعد أن وصلت شحنات المساعدات من كثير من الدول وما الذي أخره عن الوصول قبل وصول الرئيس الفرنسي؟

أسئلة يسألها المهتم بالشأن العربي الذي يبدو أنَّه يسير إلى المجهول وإلى حقبة تقاسم العالم الغربي للهيمنة والسلطة والنفوذ على الدول العربية، فليس من باب الصدفة أن يتصرف الرئيس الفرنسي كأنه أحد أبناء الشعب اللبناني وأكثرهم حرصاً على أبنائه ومواطنيه، وليس من باب الصدفة أن يجتمع مع الكتل السياسية كلا على حدة، وليس من باب الصدفة أن يكون هناك أصلا في ظل هذه الفاجعة الإنسانية والمحنة الاقتصادية العظيمة، إلا إذا كانت فعلاً لبنان "عم تحكي فرنساوي" فعودة الانتداب الفرنسي لها وفصلها عن الانتماء العربي حال قد يكون أكيدًا ومشابهاً لحال الدول العربية الأخرى التي جرت عليها العادة بالاستحواذ على قرارها السياسي من واقع الهيمنة الغربية عليها كالعراق وسوريا وليبيا وتشاركهم في هذا الاستحواذ دول منتمية إلى الدول العربية.

المواطن اللبناني البسيط لا يهمه هذا فاهتمامه بأمنه الذي هُزَّ ومعيشته وحياته التي سُلبت منه وعن المستوى الذي أراده لها أكثر من اهتمامه بالهيمنة السياسية التي كانت بين يدي ممثليه الذين فرطوا فيها، لهذا هو دائماً مرهون بما يحصل عليه لا بمن قام به!! فما هو عليه من قبل حال مزرٍ ساقه إليه سوقاً قادته وممثلو التيارات والكتل السياسية وما سيكون عليه من حال غداً قد يكون مناسباً، مؤكد أنه سيسوقه إليه قادته وممثلو التيارات والكتل السياسية، فالشاعر يقول إذا كان رب البيت للدف ضاربًا فيشمة أهل البيت كلهم الرقص، فلينتبه أهل لبنان العزيز إلى ما هم سائرون إليه وليؤدي أهل الأمانات والمسؤوليات أمانتهم ومسؤولياتهم تجاه وطنهم، فاليوم هم بين خيارين مفصليين في تاريخ بلادهم إما أن تبقى "لبنان عم تحكي عربي" وإما أن تكون لبنان عم تحكي فرنساوي"!!