"انفجار بيروت".. غصة أخرى في الحلوق تفجر غضبا لبنانيا عارما

بيروت- رويترز

في الوقت الذي تشيع فيه بيروت قتلاها وتبذل قصارى الجهود لاستيعاب حجم إعادة الإعمار بعد الانفجار الهائل في المرفأ يوم الثلاثاء، دعا لبنانيون غاضبون من تعامل الحكومة مع الموقف دولاً أجنبية أمس السبت إلى الإطاحة بزعمائهم وإدارة البلاد.

لبنان بيروت (1).jpeg
 

وبدأ مئات المحتجين الاحتشاد في ساحة الشهداء بوسط المدينة للمشاركة في مظاهرة لانتقاد تعامل الحكومة مع أكبر انفجار تشهده بيروت في تاريخها. وحصد انفجار المرفأ أرواح 154 شخصا وأصاب نحو خمسة آلاف ودمر قطاعاً من المدينة.

وحمل محتجون مجسما لمشانق ورفعوا لافتات خيّرت إحداها المسؤولين بين الاستقالة والشنق.

ووعدت الحكومة بمحاسبة المسؤولين عن الانفجار. وقال صحفي من رويترز إن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع على متظاهرين يحاولون عبور حاجز للوصول إلى مبنى البرلمان بوسط بيروت.

ويشعر بعض السكان، الذين يواجهون صعوبات لإعادة بيوتهم المدمرة إلى حالها، أن الدولة التي يعتبرونها فاسدة خذلتهم مرة أخرى. وخرجت احتجاجات لأشهر قبل كارثة الأسبوع الماضي اعتراضاً على الطريقة التي تعالج بها الحكومة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

لبنان بيروت (2).jpeg
 

وقالت الطالبة الجامعية سيلين ديبو وهي تنظف بقع الدماء عن جدران المبنى السكني الذي تعيش فيه وتضرر بفعل الانفجار "ليست لدينا ثقة في حكومتنا... أتمنى لو تتسلم الأمم المتحدة دفة الأمور في لبنان".

وقال كثيرون إنهم لم يندهشوا على الإطلاق عندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أحياءهم المدمرة قرب مركز الانفجار بينما لم يفعل ذلك زعماء لبنان.

وقالت ماريز حايك (48 عاما) وهي أخصائية نفسية دمر الانفجار منزل والديها "نحن نعيش في مركز الانفجار. أتمنى لو تتولى دولة أخرى شؤوننا. إن زعماءنا حفنة من الفسدة".

لبنان بيروت (3).jpeg
 

وأعلن رئيس حزب الكتائب اللبناني سامي الجميل أمس السبت استقالة نواب الحزب الثلاثة من البرلمان. وجاء ذلك خلال تشييع جنازة أمين عام الحزب نزار نجاريان الذي لقي حتفه في انفجار مرفأ بيروت. وقال الجميل "نحن منتقلون للمواجهة" لإصلاح الدولة. وأضاف "أدعو كل الشرفاء إلى الاستقالة من مجلس النواب والذهاب فورا إلى إعادة الأمانة للناس ليقرروا من يحكمهم دون أن يفرض أحد عليهم أي أمر".

وزار ماكرون بيروت يوم الخميس الماضي ووعد الحشود اللبنانية الغاضبة بأن المعونات التي ستخصص لإعادة بناء المدينة لن تسقط في "أيد فاسدة". وسيستضيف مؤتمرًا للمانحين من أجل لبنان عبر الفيديو غدًا الأحد وفقاً لما أعلنه مكتبه.

وقال رئيس الوزراء ومؤسسة الرئاسة في لبنان إن 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار، وهي مادة تستخدم في صناعة الأسمدة والقنابل، كانت مخزنة لست سنوات في مستودع بالمرفأ دون إجراءات للسلامة.

وقال الرئيس اللبناني ميشال عون يوم الجمعة إنَّ التحقيق في الانفجار سيبحث أيضاً إن كان ناتجاً عن قنبلة أو أي تدخل خارجي آخر. وأضاف أن التحقيق سيبحث ما إذا كان الانفجار ناجماً عن الإهمال أم قضاء وقدر مشيراً إلى أنَّ 20 شخصاً جرى توقيفهم حتى الآن.

وتساءل بعض السكان عمَّا إذا كان بمقدورهم في يوم من الأيام إعادة بناء حياتهم.

وليس لدى بلال حسن سوى يديه ليحاول وهو يغالب دموعه أن يزيل الحطام في منزله، الذي يقع على بعد بضع مئات من الأمتار من موقع الانفجار، ومنذ الكارثة ينام الليل على أريكة مُغبرة بجوار شظايا الزجاج.

وعندما فرَّ أبناؤه الثلاثة الجرحى، وهم في سن المراهقة، للنجاة بحياتهم خلفوا وراءهم بقعا من الدماء على الجدران والدرج. وقال حسن وهو يقف بجوار صورة محطمة له مع زوجته "ليس هناك ما بوسعنا فعله في الواقع. لا نملك تكلفة إعادة البناء ولا أحد يساعدنا".

وتهدر الجرافات عبر حطام المنازل المهدمة وبجوار صفوف طويلة من السيارات المهشمة فيما وقف جنود على جانب الطريق. ويسير في الشوارع متطوعون يحملون الجواريف للمساعدة في إزالة الحطام.

وقالت دانييلا شمالي إنَّ منظمتها الخيرية، التي دمر الانفجار مقرها، قدمت مساعدات إلى 70 أسرة ممن شردتهم الكارثة. وقالت "قدمنا مساعدة مبدئية لكن لا نعلم ما بمقدورنا فعله للأسر في المستقبل. الأمر يتطلب مشروعات كبرى". وقال مسؤولون إن الانفجار ربما تسبب في خسائر تصل إلى 15 مليار دولار وهذه فاتورة لا يستطيع لبنان تحملها بعد أن تخلف بالفعل عن سداد ديون تتجاوز نسبتها 150 بالمئة من الناتج الاقتصادي وفي ظل جمود محادثاته مع صندوق النقد الدولي.

وسارعت فرنسا ودول أخرى لإرسال مساعدات طارئة إلى لبنان شملت أطباء وأطناناً من المعدات الطبية والأغذية. ودمر الانفجار الصومعة الكبيرة الوحيدة للحبوب في البلاد وتساعد وكالات تابعة للأمم المتحدة في تقديم مساعدات طبية وغذائية عاجلة.

وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بعد اجتماع مع عون اليوم السبت إنه سيسعى لحشد الطاقات العربية لتقديم الدعم للبنان. وقال فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي، بعد اجتماع مع عون أيضاً، إن بلاده مستعدة للمساعدة في إعادة بناء مرفأ بيروت بعد الانفجار.

وبالنسبة للبنانيين العاديين، فإن حجم الدمار يفوق التصور.

وقال جورج روحانا وهو يجلس بجوار متجر للبقالة دمره الانفجار "بدا الأمر وكأنه انفجار قنبلة ذرية صغيرة". وتابع قائلاً "الآن أصبحنا في وضع يسرق فيه الناس المعادن والأغراض الأخرى من الركام". ووقفت ماريتا أبو جودة توزع الخبز والجبن على المتضررين من الكارثة. وقالت "ماكرون عرض المساعدة وحكومتنا لم تفعل شيئاً. هكذا تسير الأمور دائما... بعد زيارة ماكرون قمت بتشغيل النشيد الوطني الفرنسي طوال اليوم في سيارتي".

تعليق عبر الفيس بوك