طاعة ولي الأمر.. وجائحة "كورونا"

صالح بن سعيد الحمداني

يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [سورة النساء 59].

طاعة ولي الأمر واجبة بأمر من الله وحرصت شريعتنا العظيمة والعقيدة الشرعية أن تربط طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر، ولهذا مدلولاته العظيمة والمكانة العالية، التي تتوجب علينا طاعة ولي الأمر والتقيد بتعليمات الدين الحنيف لنسعد في الدنيا والآخرة.

واتباع ولي الأمر يتجلى في أروع صوره في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قولا وفعلا، وما نحن فيه من أوضاع في هذا الجائحة التي تعم العالم بأكمله وما يمر فيه العالم في هذا الظرف الاستثنائي فإن من الواجب علينا الانصياع واتباع التعليمات التي تصدر من أولي الأمر، والتي تساهم في الحد من انتشار هذا الوباء، ولا نكون معول هدم لكل ما تم خلال الفترة الماضية، بل من الواجب علينا أن نكون يد بناء وتعمير، وعلينا السعي جميعا للتقليل من الإصابات التي ترتفع يوما بعد يوم.

والمتابع لهذه الأعداد وتزايدها الكبير واللافت للنظر أو تناقصها الطفيف يتألم من ذلك خوفا على الآخرين ممن حوله، وترتفع هذه الأعداد ليس لشيء صعب وغير يسير، بل لأمور يمكن لنا السيطرة عليها والسعي إلى تقليل ذلك، باتباع الإرشادات والتعليمات، والتي تأتي وتندرج تحت طاعة ولي الأمر لأنه أمر بها وسنها للحفاظ على النفس والروح، وهذه من الكليات الخمس التي نصت عليها الشريعة (حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسب وحفظ المال)، وجميعنا يدرك أن تفاوت المفهوم حول هذا الوباء عالمي، ولم يعرف له أمر مستقر، فكل يوم نجد أن دراسة تشير لأمر ما، وفي يوم آخر نجد دراسة مناقضة لهذا الأمر، كما إن البحث عن أدوية أو عقار أو لقاح أمر ما يزال طور البحث والتجارب، والأمر المُسلم له في وقتنا الحاضر هو ضرورة اتباع التعليمات والإرشادات التي تقينا وَتُبعدنا عن الإصابة به أو نقله للغير.

كثيرا ما نسمع عن إصابات بسبب بعض الممارسات الخاطئة والتي تساهم في نشره وكثيرا ما نقرأ عن بعض التجاوزات التي تكلفنا الكثير ليس ماديا وحسب بل تصل للأرواح لا قدر الله، نعم للعودة والتأقلم في الحياة مع وجود هذا الوباء ولكن أيضا نعم للحد من انتشاره.

البعض يرى أن العودة للعمل أو الاختلاط في الواجبات سبب وركيزة للانتشار، وآخر يرى أنه لا بد من أن نعيش وتمضي الحياة، وأن الإصابة قدر من أقدار الله علينا، وآخر ملتزم سواء بالحجر المنزلي أو باتباع التعليمات أثناء الخروج للعمل أو لقضاء احتياجاته الخاصة أو أعماله.

نقول نعم يجب أن نعيش وتستمر الحياة ونعود إليها، لكن بحذر ووعي شديد وفق التعليمات التي تحمينا وتحمى من حولنا من أعزاء وأقارب وأصدقاء، لنساهم ونحد من انتشاره بخطوات واضحة تقينا شره، فإن لم نفكر بأنفسنا نفكر بمن حولنا بمن نحب بالوالدين والأجداد والأطفال والمرضى وبالمحتاجين للرعاية الصحية.

إن اللامبالاة من البعض يكلف الكثير فبسبب ذلك نفقد أحبه ونعرض آخرين لخطر الوباء ونساهم في نشره، وعدم التقيد له ثمن باهظ، وعدم التقيد ندفع ثمنه مضاعفا، وعدم التقيد هو سبب رئيسي لاستمرار الحياة هكذا، ففئة بسيطة قد تكون سبب في أمور كثيرة لا تحمد عقباها.

بالمقابل هناك أسر وأشخاص لله درهم من أُناس تُرفع لهم العمائم إجلالا واحترما على دورهم الفاعل والبناء في المساهمة بل وفي حماية غيرهم ومن حولهم، عائلات التزمت وطبقت وعاشت حياتها وممارساتها الطبيعية بكل حذر ولم تخرج إلا لقضاء غرض أو عمل وبكل دقة تتبع ما يجنبها والآخرين خطورة هذا الفيروس، وأُسر ابتلاها الله بهذا الوباء وأشخاص أصابهم ولكنهم ساهموا بل وبفعالية بالغة حرصوا عدم نقله للغير، فمنذ ظهور أول عرض عليهم حجروا أنفسهم وعوائلهم ولم يخالطوا أحد مبتعدين كل البُعد عن الآخرين حاجزين أنفسهم منتظرين نتائج الفحوصات والتي وإن طالت فترتها بقوا مكانهم في عزلهم عن المجتمع خوفا من نقله، فإن كانت النتائج سلبية واصلوا حياتهم، وإن كانت إيجابية أكملوا مشوار عزلتهم متقيدين ومتبعين للإجراءات الاحترازية الأخرى في أسرتهم، ويتزامن ذلك بمتابعة العلاج مع جهات الاختصاص التي تسعى أن تقدم ما لديها من إمكانيات وفق رسالة ورؤية واضحة في هذا الإطار.

هذه الأسر والعائلات وهؤلاء الأشخاص من المجتمع نفسه، لكنهم كانوا أفضل من الذين لم يتقيدوا، من المجتمع نفسه، لكنهم أرادوا الخير للغير فحفظهم الله وشافاهم وعلي نياتهم رزقهم، وتمضي فترة العلاج والحجر الصحي وبعدها يتواصلون مع الآخرين وبحذر شديد ولمدة قد تطول أكثر مما هو مقرر فلماذا ؟ ليس لشي بل لخوفهم أن يضروا أحد أو ينقلوا المرض لعزيز عليهم فيندموا.

قال تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [سورة المائدة 2].. نعم هذا هو التعاون في أروع صوره وأعظم مواقفه هذا هو حب الخير للغير، حب لأخيك ما تحبه لنفسك، شكرا لهذه الفئة شكرا من القلب لمن يبذل ويعطي ليكون الآخرين في سلام وصحة وعافية، لهم من المجتمع بأكمله كل الحب والتقدير والشكر والعرفان.

من هنا نطالب الجميع بأن يكونوا ملتزمين مساهمين في الحد من انتشار هذا الوباء نريد أن نعيش في سلام وصحة وعافية سعداء بأهالينا وذوينا بين أسرنا وعوائلنا، يعيش كل كبير في السن أو طفل أو مريض بأي عارض صحي كان وهم في أمان من هذا الفيروس، يعيشون مطمئنين بأن من حولهم يخافوا عليهم ونجعلهم في مأمن وحماية بعد حفظ الله لهم، ولا نوردهم بتصرفاتنا مورد الهلاك والمرض، حينها لن ينفعنا ندم وعض على أصابع الحسرة على أي تصرف لا سمح الله يكون سببا لمرض عزيز، وكثيرا ما سمعنا وقرأنا من القصص وشاهدنا المقاطع حول هذه التصرفات وكيف كانت نتيجة الألم والعذاب النفسي الذي تخلفه وتتركه...

لن ينفعنا الندم والألم والحزن إذا كنا بيوم سبب لرحيل عزيز وغالي أو صديق وأخ ورفيق، الأعمار بيد الله وكل شيء بأمره سبحانه ولكن سبحانه وتعالى حذرنا فقال (وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة 195] فعلينا الأخذ بالأسباب التي تجعلنا في أمن وراحة بال، قدر الله نافذ لا محال ولكن الأخذ بالأسباب واجب علينا.

تعليق عبر الفيس بوك