النداء الأخير للأشقاء الليبيين

 

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

تمر ليبيا المُحتلة اليوم بفصل خطير من فصول نكبتها ويتمثل هذا الفصل بتدويل مُطلق للأزمة الليبية ومصادرتها تمامًا من أيدي أبنائها لتصبح موطن صراع وزبونية سياسية وغنيمة أحلاف إلى  ماشاء الله، وهذا يعني أن تتحول ليبيا الجغرافيا والتاريخ والسكان والموقع والثروات إلى  مزاد سياسي وغنيمة حرب، وأن تتحول من دولة ميليشيات فبراير إلى  جغرافيا مستباحة للأقوى على الساحتين الإقليمية والدولية أي من مرحلة السوء إلى  مرحلة الأسوأ.

أعود إلى التذكير بقولي وقناعتي بأنَّ نكبة ليبيا بالنسبة لي أمضى وأمر من نكبة فلسطين رغم مرارات النكبات جميعها على نفسي كعربي، لأن فلسطين اغتصبت في زمن غياب الدولة العربية وفي زمن احتلالات وانتداب يقوم مقام الدولة العربية ويتحدث ويتصرف باسمها، أما نكبة ليبيا فقد أتت في زمن دولة الاستقلال العربي وبمباركة جامعة الدول العربية وبصمت مطبق يشبه المباركة من منظمات محسوبة على الإسلام والإنسانية، وهي سابقة في تقديري لن تتوقف عند ليبيا بل سُنة سياسية سيئة ستُمرر بلا شك إن توفرت الرغبة السياسية الاستعمارية على أي قُطر عربي وتحت أي ذريعة أو مسمى .

أعود إلى التحدث للأشقاء الليبيين – وهو ما يهمني في هذه المقالة – فأقول أنتم من يصنع الحدث والفارق لوطنكم ليبيا اليوم ولا أحد غيركم، فالأشقاء المعول عليهم رغم صدق نوايا البعض منهم تكبلهم ثقافة سايكس بيكو وأخواتها ولا يمكنهم المقامرة بأوطانهم ووجودها في سبيل وطنكم ليبيا، كما إن الأصدقاء الذين يحرصون على الشرعية الدولية والقانون الدولي لهم مصالح حول العالم ومع الكبار على وجه التحديد وبالتالي لن يكونوا ليبيين أكثر منكم، ولن يقامروا بمصالحهم ويصطدموا مع الكبار من أجل ليبيا، فلكل موقف سقف لا يمكن تجاوزه.

أشقائي الليبيين، ما لم تكونوا رقمًا وازنًا في أزمة وطنكم يمكن الرهان عليه وبناء تقاطع مصالح معه فلن يستطيع الشقيق ولا الصديق أن ينصركم إلى مالا نهاية، فأنتم الخندق الأول والأخير لقضيتكم والخطوة الأولى والأخيرة لاسترداد وطنكم المخطوف. ولكم في النموذج السوري عبرة، فلولا الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري والمؤسسات الحرجة بسوريا لما وجد الأشقاء ولا الأصدقاء مدخلا للمساعدة والرهان السياسي، وفي المقابل لولا الفلتان والتشظي الفئوي والقبلي والاجتماعي والحزبي في العراق واليمن لما تمكن الخصوم منهما.

أنا أعلم بأنكم كنتم في زمن الجماهيرية تمارسون النضال النظري الشعاراتي المغموس بترف النفط، لهذا لا تدركون اليوم القيمة الحقيقية للنضال والتضحية على أرض الواقع كونكم لا تتمتعون – رغم ضجيج الشعارات والمؤتمرات الشعبية ولجان الشعب المسلح – برصيد نضالي حقيقي وملموس يمكن البناء عليه واستثماره في لحظة تاريخية فارقة تسمى اختطاف الوطن ونُذر زواله إلى الأبد.

لا زلتم أشقائي تتنابزون بالمناطقية والقبلية وتتسلحون بالنظام الجماهيري وتحاكمونه بالبكاء على أطلاله، وتضعون العربة قبل الحصان برفع شعارات تفوق الظرف وتتفوق على حاجته، عبر مساندة هذا أو نُصرة ذاك وكأنكم في محفل انتخابي بينما الوطن تتهاوى حلقاته وتنفرط بيد الخصوم والأعداء في كل ساعة تمر على نكبة وطنكم.

أشقائي، اقرأوا تاريخ النضال الوطني في العالم الحر، ولكم في الصين العظمى عبرة، حين عانت من الغزو الياباني، حيث اتحد المتناحرون في الصين الماويين والإمبراطوريين في لحظة تاريخية فارقة وسمو فوق خلافاتهم ومطامحهم وجراحهم لأنَّ الصين تواجه خطرا خارجيا وعدوا مشتركا لهم جميعًا، فأسقطوا الخلافات ووجهوا بنادقهم للغازي حتى اندحر ثم عادوا للاقتتال مجددا تحت سقف الوطن.

أشقائي، إذا كنتم تحبون وطنكم ليبيا بصدق فعليكم اليوم قبل الغد تأجيل مسمياتكم وغنائمكم ومكاسبكم الوهمية وتنابزكم وحقن جهودكم ومقدراتكم وقيمكم تحت سقف شعار واحد وهو تحرير ليبيا أولًا من الدخلاء والغرباء معًا، تحت جبهة نضال وطني تشمل جميع أطياف الليبيين الشرفاء والمؤمنين بليبيا الواحدة الموحدة، والمؤمنين بأنَّ الوطن للجميع والوطن غفور رحيم حتى يتمكن الشرفاء من الأشقاء والأصدقاء من مساعدتكم ونُصرتكم، فكل يوم يمر تتعمق فيه الجراح وتتسع فيه مساحة الحقد والتشفي والثأر، وتتسع فيه رقعة التشظي جغرافيًا واجتماعيا، ومالم تتنبهوا لضرورة لم الشمل وتوحيد الجهود وتجاوز الماضي فستقضون ما تبقى من الأعمار في تناحر وشتات وثأرات واحتراب وولاءات للخارج إلى  ماشاء الله.

قبل اللقاء: العدو لم يتسلل عبر حدودكم بل عبر عيوبكم وتناحركم وشتاتكم.

وبالشكر تدوم النعم