وجهة نظر أخرى من الإغلاق التام

 

 

ناجي بن جمعة البلوشي

نحنُ جميعًا مُتحدون بالطاعة على الامتثال والتنفيذ لما تُقره اللجنة العُليا المكلفة بالتعامل من جائحة انتشار فيروس كرونا، المسبِّب لمرض "كوفيد 19"، إنْ كانت هذه القرارات تُؤثر على الحياة الاجتماعية ومناسباتها، أو الحال الاقتصادي وتبعاته، وأجدُني هُنا أقدم وجهة نظر أخرى لما بين القرار الأخير وبين ما أفاد به المختصون من وزراة الصحة في المؤتمر الصحفي الذي عُقِد مؤخرًا لنستوضِح من خلال وجهة نظرنا هذه، بعضا من معاني التناقض بين الأسباب التي يُعتقد أنَّها سببٌ في زيادة انتشار مرض "كوفيد 19" بين أبناء السلطنة وبين ما يتخذ لعلاجها، فبعد أن أقرت اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع آثار الجائحة وتبعاتها قرار الإغلاق التام بين المحافظات، ومنع الحركة، وإغلاق المحال التجارية من الساعة السابعة مساء إلى السادسة صباحا، ابتداء 25 يوليو، بعدها ترقَّبتُ حالي كحال كل المواطنين والمقيمين للمؤتمر الصحفي الذي سيظهر فيه المسؤولون عن الصحة ويبينون لنا ما هي أسباب ازدياد الأعداد المخيفة بين العمانيين؟ وهل سيكون هذا الإغلاق مناسبا لتقليل حدة ذلك الانتشار الواسع بين المواطنين؟

مدير عام المديرية العامة لمكافحة الأمراض المعدية بوزارة الصحة مشكورا يوضح في المؤتمر الصحفي أنَّ السبب الحقيقي لانتشار المرض بين أفراد المجتمع من العمانيين هو: "الزيارات الأهلية والتجمع الأسري، وعدم التقيد من الموظفين والعاملين في القطاعين خلال الاجتماعات والدوامات الرسمية".

وهنا.. نستوضح بأنه إذا كان هذان السببان باعتقاد المسؤولين في انتشار المرض بين المواطنين خلال الفترة الأخيرة، فكيف لهم أن يعالجوا هذين السببين بالإغلاق بين المحافظات، وتوقف الحركة، وغرامات المتنقلين...وغيرها من الالتزامات؟! ألا يستوجب عليهم علاج السبب والمتسببين الحقيقيين دون التشعب في الإجراءات الأخرى التي قد لا تكون سببا حقيقيا في انتشار المرض بين المواطنين، فإذا كانت الدوائر الحكومية والعاملون بها لا يلتزمون بما تقره اللجنة الموقرة؛ فهناك من الجهات المعنية بأمرهم وهي قادرة من روح المسؤولية أن تتولى أمرهم، وتتعامل معهم بإجراءاتها الخاصة كمراقبة موظفيها وإنذارهم، وتبوبيخهم، ومعاقبتهم، ومحاسبتهم حتى تصل العقوبات إلى طردهم وإنهاء خدماتهم.

كذلك إذا كانت فئة من الناس لا تستجيب لما يقرره المشرع وتنصاع إليه، فهناك من الرَّوادع التي يمكن أن تقوم بها الجهات الأمنية المختصة بالمراقبة والترصد في تقديم تصوراتها لمهاجمة التجمعات، كما أن منح صلاحيات التفتيش للجهات الأمنية الأخرى في الهجوم على التجمعات أيًّا كانت أنواعها ومكانها وزمانها، أجدر من الانتقال إلى الغلق التام.

فبعد هذا القرار، هناك من التساؤلات التي لا نجد لها حلًّا إلا إذا جربناها، فكيف يُعاقب مجتمع بأكمله بما يفعله ذلك الموظف أو ذلك المستهتر؟ وكم هي المدة الكافية التي يُمكننا أن نغلق فيها البلاد لنقلل أعداد الإصابات؟ وهل بعد هذا الغلق وإعادة الفتح سيلتزم المستهترون؟ وهل نضمن عدم تنقلهم في ولاياتهم وقراهم بنفس السلوك؟ وهل الفيروس لا ينتقل في النهار بين الأفراد؟ وهل هذا الغلق يضمن لنا عدم ارتفاع الإصابات والأعداد، خاصة بعد تضييق الزمن في حركة التسوق واكتظاظ المتسوقين؟ وهل الدوائر الحكومية ستكون خالية من الموظفين إلى ما لا نهاية؟

نتمنَّى أن نجد أجوبة لمثل هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة؛ فابتعادنا عن معالجة المشكلة سيُوصلنا الى مشاكل أخرى نكون في حيرة من حلها؛ فلا المستهتر بعد أن يعود لمقر عمله سيتقيد بما لم يتقيد به من قبل، ولا المتنقل بمرضه بين الأصحاء سيتوقف عن تنقلاته بينهم، ولا المخالط للمرضى سيكون في احترازات وقائية تقي المجتمع نقله للمرض بينهم، ولا مكياجات المنازل ستتوقف في فترة العيد، ولا حلاقين الطلبية سيكونون مرفوضين من قبل "المتكشِّخين"، ولا مجمعات شباب الشيشة ستنتهي، ولا، ولا... وكثيرا من اللاءات التي لا تنتهي إلا إذا تواجد بيان رسمي فيه ما ستقوم به الجهات الأمنية السرية في العمليات النوعية، وأنها ستقوم بالتدخل من اليوم الذي سيبدأ فيه الغلق التام، وستعمل خلايا سرية في كل ولايات ومناطق السلطنة، وربما بهكذا إجراء نستفيد من وضع حد لانتشار هذا الوباء بيننا.

حفظ الله عُمان، وحفظ أبناءها، وكل مقيم على أرضها.