"حرب كورونا" التي أنهكت العالم

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

 

معركةٌ قاسيةٌ وطويلةُ المدى، لن تنتهي قريبا على ما يبدو، مطاردة مضنية بين الصيّاد والفريسة، الصيّاد هذه المرة فيروس صغير لا يُرى بالعين المجرّدة، والطريدة هم البشر، بكل أسلحتهم، وعدتهم وعتادهم، حربٌ بين كائن خفيّ، و(آدميّ) مدجج بأسلحة نووية وبيولوجية، وتقليدية، وصواريخ، ورؤوس دمار شامل، صرف على إنتاجها المليارات ولكنها خذلته في معركته المصيرية، وأثبتت فشلها جميعاً، وبقيت ساحة المعركة مفتوحة، وكلما اقترب الإنسان من إنتاج سلاح يحسم به معركته، أنتج الفيروس أشكالا وألواناً أخرى لا تخطر على بال، واستمر في حصد الضحايا.

فيروسٌ مجهريّ صغير عطّل اقتصادات العالم، وأغلق بحارا وأجواء وأراضين، وحبس البشر في بيوتهم، وفضح أنظمة صحية عالمية، وأزاح الغبار عن عقليات تآمرية تتحكم بالكرة الأرضية، وأحرج دولا كنَّا نحسبها كبرى، فإذا هي مجرد عضلات كرتونية لا أكثر، وأثبت العلم أنه ما زال متخلفا، وأن الكائنات التي يحاربها طوال قرون قادرة على الاختباء ثم الظهور والهجوم من جديد، وأن الحياة غير مستقرة على الإطلاق، وأنه بإمكان هذه الكائنات الدقيقة أن تضرب في مقتل كلما حانت لها الفرصة، وأنها هي من يحدد وقت ومكان المعركة، وأنه ليس في يد الإنسان سوى الدفاع عن وجوده على هذا الكوكب.

أصبحت الأعياد مجرد مناسبات تمر دون اكتراث، وأصبحنا حبيسي المكان والزمان، وأصبح كل شيء حولنا باهتا، وكالحاً، صرنا نتوجس الشر دائما، نخشى من أقرب الناس إلينا، نراهم في خيالنا فيروسات كبيرة تمنعنا من الاقتراب منهم، ولم نعد قادرين على توديع أحبائنا حين يغادرون الحياة، ولم نعد قادرين على احتضان من نحب، خوفاً من فتك ذلك العدو المتربص بنا ريب المنون، أصبحت الحياة على الأرض شبه مشلولة، في خطة دفاعية للحد من انتشار الوباء، وليس للقضاء عليه، وتخليص البشرية من شرّه، ورغم رغباتنا الكثيرة في الانطلاق وعودة الحياة إلى طبيعتها إلا أننا مازلنا عاجزين عن فعل ذلك.

جاء هذا الفيروس الصغير ليُعيد ترتيب أوراق حياتنا، ويساعدنا على أن نقترب أكثر من القوة لعظيمة التي تدير هذا الكون، ذلك هو الله الذي لا إله إلا هو، ولكنه درس كمثل كل الدروس التي مرت على الكرة الأرضية، ما إن ينتهي حتى يعود الناس إلى غيّهم وطغيانهم، ومخالفتهم حتى للفطرة البشرية التي هم عليها، فحين يتحوّل الإنسان إلى مجرد حيوان شهوانيّ يتبع غريزته، ويحاول أن يمارس الحياة بالمقلوب، تماما كما يفعل (الخفاش)، فلابد للطبيعة أن تعيده إلى جادّة الصواب، وقد تأتي هذه العودة عبر كائن غير مرئي، ليرى الإنسان أنه هو كذلك كائن غير مهم وحقير بالنسبة لغيره، لعل مسيره في هذه الحياة يعتدل ويتوازن.

وإلى أن يستعيد العالم توازنه، ويرتب أوراقه من جديد، فعلى كل البشر أن يتحدّوا في مواجهة وجودية مع الفيروس القاتل، عليهم فقط أن يتبعوا سبل الوقاية، وأن يتباعدوا، ويلبسوا أقنعة الوجه، وأن يعلموا أن استهتارهم بالوباء، يعني القضاء عليهم، وعلى أحبائهم، ولعلنا هذه الأيام نعيش التجربة الأهم في معركتنا مع الفيروس، وهي الإغلاق التام، وحظر التجوّل شبه الكامل، و(الحبس) الجماعي الإجباري، الذي فرضه البعض على المجتمع نتيجة عدم مسؤوليتهم، واستهتارهم بحياة غيرهم، لعل ذلك يساعد على تراجع حالات الإصابة بالمرض، ويعطي للسلطات الصحية وقتا لأخذ أنفاسها من جديد، ويمنحها مزيدا من الوقت للبحث عن سلاح ناجع يقضي على هذا العدو المختبئ في كل تفاصيل المكان، والمسمّى (كورونا).

ونسأل الله اللطف والسلامة والعافية للجميع.