صالح بن سعيد الحمداني
فجر 23 يوليو، يوم له وقع خاص في قلب كل عماني، منذ خمسين عاماً وعُمان تزهو في يوليو.. خمسون عاماً مضت ولشهر يوليو مكانه عظيمة في قلب كل عماني، وسيظل هذا الشهر متميزاً في تاريخ الأمة العمانية، وسيروي للأجيال القادمة كثيراً من الإنجازات التي تحققت، وسيحكي عن الفارس الذي اعتلى صهوة جواد الحضارة والسمو بعُمان، وارتقى بها قمم العزة والشموخ، كأولئك الأئمة والسلاطين الذين سبقوه وخلدهم التاريخ، وها هو ومن جديد يخلد شخصية عظيمة، وإن رحلت كجسد بقيت بين حنايا الروح والوجدان خالدة.
يوليو 2020 ليس كتلك الشهور في السنوات التسع والأربعين الماضية، إنه شهر استثنائي مختلف عن تلك الشهور التي سبقته، يأتي بدون ذلك الفارس الذي اعتلى الجواد فيه بل ترجل عن جواده، تاركاً تلك الإنجازات الجليلة لهذه الأمة العظيمة في تاريخها والحضارة التي بناها خلال مسيرته الخالدة إرثاً حَضَارِيًّا شامخاً وشاهداً، وسلم الراية السامية بدلالاتها وعطائها الذي أرسى ركائزها، الدولة العظيمة في تاريخها وبُعدها السياسي والعالمي، العظيمة في سلاطينها العظام وشعبها الأصيل، سلم الراية إلى من يقودها إلى حيث الأمل معقود، والهدف السامي المنشود، بكل عزيمة واقتدار، وحكمة بالغة وسمو أفعال وتحقيق آمال.
رحل سلطان القلوب قابوس عُمان بعد خمسين عاماً من العطاء والإنجازات وهمم سابقة للريح، لقد وعد فقال: "أيها الشعب سأعمل بأسرع ما يمكن لِجَعْلِكُمْ تعيشون سُعَدَاء لمستقبل أفضل وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب".
لقد وعد فأنجز، قال وفعل، ترك حضارة وتاريخاً مشرقاً بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ سامية، ترك السلام والأمن ليس لعُمان التي أحبها، بل سعى ليكون للعالم أجمع، ترك السمو والشموخ والعزة لكل عماني أينما ذهب وحل، شهر يوليو لعُمان قاطبة شهر تفرد بيوم عمان الخالد، إنه الثالث والعشرون، يوم أشرق على عُمان به عهد جديد، وسمت فيه إلى أُفق الفضاء الرحب بكل مجد وعزة وشموخ.
وعد بالتعليم وقال: "سنعلم أبناءنا ولو تحت ظل شجرة"، وها نحن اليوم ننعم بالجامعات والكليات والمعاهد والصروح التعليمية والمدارس بكل أنوعها الخاص والحكومي، ومضى الزمن ليحكي قصة عمان ومسيرتها الخالدة تَحْكِي للأجيال القادمة، وكل عهد يزهو بمنجزات وحضارة تدعم تاريخها المتوارث وكأن لسان الحال يقول إن مسيرة عمان متجددة بين ماضٍ ذهب، وحاضر تعيشه، ومستقبل مشرق لغدٍ أفضل.
كنا، وما زلنا، وسنظل، للتاريخ عنوانا، وعُمان اسمها بين الحضارات والأمم يزهو بكل فخر منذ ذلك الأزل البعيد، وجاء قابوس الحكمة ليرسي دعائم قوية ليُكمل مسيرة من سبقه، وليجعل منها دولة عصرية عظيمة بتاريخها العظيم وحاضرها المشرق، لتقود العالم ليس بالقوة والجبروت بل بالحكمة والسياسة التي جعلت منها نوراً يسطع على العالم ليعم منه السلام والأمن والاستقرار والإنسانية بثوابتها الحقيقية، لتنتشر المحبة والوفاء بين شعوب العالم بأسره، بحكمته استطاع أن يجعل مكانتها بين دول العالم قاطبةً منارة يشع نورها، جعلها قِبلة لكل محب للخير داعياً للسلام.
أذكر جيدا اليوم الذي أذيع فيه خبر جائزة السلام لرجل السلام، وكيف توالت التهاني والتبريكات، نعم أذكر ذلك اليوم الذي أُعْلَنَ فيه عن جائزة السلام الدولية تُمنح لجلالة السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان، فكان يوم اعتزاز وفخر دولي لنا، ليس لقوة وعنفوان وظلم، بل لأجل السلام يُمنح رجل السلام، هذا الحدث الزاخر بالمعاني العظيمة والدلالات جاء ليس بمحض الصدفة، بل جاء من إجماع رسمي وشعبي وعلمي، كلها أجمعت لتقول للعالم أجمع أن قابوس رجل السلام، إجماع من 33 جامعة ومركز أبحاث ومنظمة أمريكية عام 1998م، وحصل عليها أيضا من قبل الجمعية الدولية الروسية في 18 يوليو 2007م، وذلك تقديراً لجلالته -رحمه الله وطيب ثراه- في مجال خدمة السلم والتعاون الدولي وفعل الخير على المستوى الدولي، وعلى المواقف الجليلة والعظيمة التي يذكرها التاريخ باعتراف دولي صارخ بأن رجل السلام قابوس عمان.
إنجازات عُمان وتاريخها المشرق الحافل بالكثير من الإنجازات التي عمَّتها، والضياء والنور الذي توشحت به في يوليو، لا يمكن أن يُعبَّر عنه في سطور أو مجلدات؛ فهو تاريخ يُروى للأجيال القادمة، يخلده الزمن بحروف مضيئة ليس بذهب ولا بأقوال حكماء ولا قصائد شعراء، بل أفعال سجلها لِتَأْخُذ منها الحِكم والعِبر والدروس، لتكون نوراً لكل من يبحث عن أنوار الحكمة والعطاء والأفعال والسمو والشموخ، تاريخ جعل من يوليو شهراً مميزاً، شهرًا سيظل بين شهور السنة في التاريخ العماني الحديث مميزا عن غيره، وسيظل في قلب كل عماني يخفق بحبه وحب قابوس، وسنظل متحدين صفاً واحداً خلف هيثم العز والإباء ليمضي بنا وبعمان نحو مستقبل كلنا نسعد به بين الأمم، ونسأل الله السداد وأن يحفظ عمان وقائدها السلطان هيثم بن طارق ويسدد على دروب الخير خطاه، ويحفظ أرض عمان ومن عليها، ويرحم سلطاننا الراحل ويطيب ثراه.