أمَّة اقرأ لا تقرأ

 

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

يبني كثير من الناس آراءهم على المعلومات السطحيَّة التي يتلقونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فيُصدِرون أحكامهم على موضوعٍ ما بمجرد قراءة عنوان مغلُوط بقصد أو بغير قصد، فيصبُّون جام غضبهم على الكاتب، أو على صاحب الفكرة، دون تقصٍّ عن الحقيقة.

ففي مقالي المنشور بجريدة "الرؤية" يوم الثلاثاء 14 يوليو الجاري، تحت عنوان "استخلاص الدروس من كورونا"، تطرقتُ من خلاله إلى مجموعة من الدروس والعِبر التي قد تُفيدنا للمستقبل لما بعد كورونا، ومن بينها: أداء واجب العزاء عبر الهاتف بالنسبة للولايات والمحافظات التي تبعد مئات الأميال.

وقد نشر أحد حسابات التواصل الاجتماعي منشوراً عن المقال بعنوان "المقبالي: لماذا لا يكون واجب العزاء هاتفيا (بصفة دائمة) دون تكبُّد لعناء الحضور؟".

هذا المنشور انتشر كالنار في الهشيم، مثيراً غضب متلقِّي المعلومة من وسائل التواصل بظواهرها دون تتبُّع للحقيقة من خلال قراءة المقال؛ فكانت هناك ردود مُسِيئة إلى الكاتب بصفة مباشرة، وكان السبب فيها ذلك العنوان لا أقول المضلل، وإنما غير المكتمل، مُتهكِّمين فيها على القيم والمبادئ والأخلاق التي يتمتع بها الكاتب؛ فالعنوان ترك القارئ يفسِّر المضمون على ظاهره، فيسيء الظنَّ في نوايا وأخلاقيات الكاتب.

والحقيقة أنَّ القارئ لم يُكلف نفسه عناء قراءة المقال ليتبيَّن الحقيقة، فقد كيلت التهم ضد الكاتب.

فلو رجع هؤلاء الأشخاص إلى المقال، لوجدوا الحقيقة في هذه الجملة (فمن بين هذه الدروس عند وفاة قريب لصديق ما في بلاد تبعد عنَّا (بمئات الأميال) قد كنَّا نتجهز ونعد العدة للسفر قبل الفجر لأداء واجب العزاء (في ولاية من الولايات البعيدة) فنتكبَّد مخاطر الطريق ومشاقه، ونترك أعمالنا، وننفق أموالاً للوقود ومستلزمات الطريق تصل إلى عشرات الريالات، كلُّ ذلك من أجل أن نقول لصاحب العزاء "أحسن الله عزاءكم"، وبعد 10 دقائق أو ربع الساعة بالكثير نستأذن ونبدأ في رحلة العودة الشاقة لنقطع مئات الأميال مرة أخرى، مُعرِّضين أنفسنا لمخاطر الطريق، ونرهق أبداننا، وفي صباح الغد نُصبح وأجسامنا مُرهقة، وقد لا نؤدي العمل كما هو مطلوب.

الحساب أصدر منشوراً آخر يوم الجمعة 17 يوليو 2020، صحَّح فيه عنوان المنشور الذي يُوضح الحقيقة، وكان نصه "المقبالي: اقتصار أداء واجب العزاء هاتفياً "بصفة دائمة" للولايات البعيدة لتكبد عناء السفر ومخاطر الطريق".

فلو كان العنوان هكذا منذ البداية لما كان ما كان، ولما حدثت هذه الضجة والزوبعة واللغط الكثير.

ولا غرابة أن نلقى فئات من المجتمع تنساق نحو الأخبار السطحية، فتتناول رؤوس الأقلام ولا تكلف نفسها القراءة، وقد قيل بأن أمة اقرأ لا تقرأ، ولكن الذي يحز في النفس أن يأتيك رأي ينسف قيمك ومبادئك فيقول: "عاداتنا وتقاليدنا ومجتمعنا الذي تربينا على أخلاقه لا تسمح بكذا عادات، لا يُمكن ولن نسمح لأنفسنا بتقليد الغرب، نحن قبائل وأبناء قبائل؛ فالأزمة والغمة ستزول بإذن الله تعالى".

هذا الكلام مُؤلم، وقد جرحني كثيراً، وكان كالسهم في القلب؛ لأنه صدر من زميل لي في مجال الصحافة، ورجل تربوي له باع طويل في سلك التدريس، وكاتب صحفي.

فلا عتب بعد هذا على المغردين في مواقع التواصل الاجتماعي، طالما هذه نظرة مُربٍّ للأجيال ورجل له باع في مجال الصحافة.

كثيرٌ من الناس ممن قرأوا المقال وفهموا قصده، يُطالبوني بمقاضاة الأشخاص الذين أساؤوا إلى شخصي، إلا أنني أرفض هذا، وشعاري "أحسن إلى من أساء إليك" والعفو عند المقدرة.

والتسامح هو الفيصل، والإساءة ترد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، والاحتساب إلى الله.

وفي المقابل، هناك ردود مختلفة لمن قرأ المقال بالفعل، يقول أحدهم: "أتفق مع الكاتب، فهذا كلام من ذهب ولا غبار عليه، حتى سماحة الشيخ الجليل أحمد بن حمد الخليلي حفظه الله قالها مرة، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، فلا داعي للعناء لمسافة طويلة".

ويتوافق مع هذا أيضاً رأي أحد القراء، فيقول: "باختصار، في محيط القرى المحيطة.. عدا ذلك ليس بواجب، بل إن سماحة الشيخ أحمد الخليلي -حفظه الله- نبه لهذا الأمر في أكثر من مناسبة؛ لما يتكبده الناس من أعباء ومتاعب السفر، وتعريض الأنفس لمخاطر الطريق، هذا فضلا عن أن العمانيين كانوا في السابق قبل استخدام وسائل النقل الحديثة لا تتعدَّى مشاركتهم في المناسبات أفراحاً كانت أم أتراحاً قريتهم وربما القرى المجاورة".