سلاح الاستثمار

 

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

 

◄ نحن لا نحتاج إلى دماء ووجوه جديدة بقدر ما نحتاج إلى عقول وأنماط فكر جديدة

 

 

الاستثمار بدون تنظير أو تأصيل علمي هو التنمية والادخار وتعظيم المنافع بشقيها المنقولة والثابتة أي الأصول والسيولة، وسلطنتنا الحبيبة غاب عنها الاستثمار وتوظيف الفوائض المالية من ريع النفط لعقود خمسة، واليوم وبإشهار جهاز الاستثمار نُعيد الأمل بالله وبالحكومة لتوظيف مدخرات الدولة التوظيف الأمثل وتعظيم عوائدها على الوطن والمُواطن.

كان الاستثمار عندنا فيما مضى أقرب إلى "جعجعة بلا طحين"، ولا نعلم منه سوى الفقد والخسائر وتواضع طموح القائمين عليه وآفاق أفكارهم، واليوم نرى تغييرا شاملاً وهيكلة تامة للجهاز على مستوى الهياكل الإدارية والشخوص وهذا الأمر لا يجعلنا مطمئنين كامل الاطمئنان إلا حين نرى بأعيينا ونلامس بأيدينا الخراج على أرض الواقع. المال موجود ولكن العقول تختلف وتتبدل، ووجود المال يعني اختيار المُمكن والمُتاح من الاستثمارات لتحقيق مستقبل مُريح للدولة وملاءة مالية تُشكل أمانًا ماليًا لحاضر الوطن والأجيال القادمة.

تابعت كغيري مُؤخرًا قيام جهاز الاستثمار بالاستثمار في عدد من المنشآت السياحية في السلطنة وبمناطق وولايات مختلفة، وكنت أتوقع وأتمنى أن ينحو الجهاز نحو طرق أبواب ومشروعات إنتاجية ذات قيمة مُضافة كقطاعي الصناعة والزراعة وبالتحديد الصناعات الغذائية من فائض المحاصيل الزراعية واللحوم والأسماك.

وبهذا نُحقق الغايتين معًا، تحقيق مكاسب وأرباح مالية عالية ومضمونة، وننعش قطاع الزراعة والثروة السمكية ومنتجاته الدائمة والموسمية، ونُحقق فرص تشغيل هائلة بوجود هذا المناخ الاستثماري المستدام ونساهم بحل مشكلة البطالة المتعاظمة.

فالقطاع السياحي في النهاية قطاع خدمي سريع التأثر بالمُؤثرات الخارجية والداخلية كذلك من كساد وأوبئة وظروف مناخية بل وظروف سياسية كذلك، إضافة إلى كونه قطاعا مستهدفا من قبل مستثمرين محليين ومُلبياً لأطوار الدولة وخطط السياحة في سلطنتنا الحبيبة إلى حد الإشباع، ومازاد عن ذلك في تقديري في ظل غياب استراتيجية سياحية واضحة وتنفيذ جاد لها فستصبح جهود استثمارات جهاز الاستثمار عبارة عن إغراق للسوق ومنافسة غير متكافئة مع المنشآت القائمة نظرًا للقوة المالية للجهاز والتي ستسقط عنصر الندية والتنافس الإيجابي في قطاع السياحة. إضافة إلى أنَّ السوق المحلية تشبعت بالنشاط العقاري بكافة أنواعه إلى حد يمكن وصفه بالإغراق من قبل الملاك وصناديق التقاعد، والعقار بطبيعة الحال هو نشاط تجاري أقرب إلى الاقتصاد الطفيلي البعيد كل البعد عن الاقتصاد الإنتاجي ذي القيمة المُضافة والذي يخدم فئات عديدة من المجتمع والأنشطة التجارية إلى جانب عوائده المالية.

فلو قام جهاز الاستثمار- مثلاً- باستثمار وتصنيع عوائد النخيل والنارجيل في السلطنة كمواد خام متوفرة بشكل كبير، ومن الشجرتين يمكن قيام عشرات الصناعات، من زيوت مختلفة تجميلية وغذائية وأغذية ومطهرات ومُعقمات وألياف وحبال وأثاث وأخشاب وأعلاف وأسمدة وسعفيات وفحم صناعي...إلخ، فلن نستطيع تخيل جملة المنافع ودورتها والشرائح المستفيدة من قيام هكذا صناعات، خاصة إذا أضيفت عليها صناعات تعليب لمنتجات موسمية كالسردين وفوائض الخضار والفواكة لتشكل أمن غذائي وعوائد مالية وقيمة مضافة للاقتصاد الوطني في السلطنة وركيزة مهمة لترسيخ ثقافة العمل الحر وريادة الأعمال في ظل هذا المناخ الآمن والمُستقر.

الأمر الثاني والذي أتمناه من جهاز الاستثمار هو تحقيق أصول عقارية للسلطنة في الخارج سواء في أقطار الخليج أو بلاد العالم الواسع، ويُمكن البدء بخطوات من الاستثمار الآمن إلى حد كبير، كشراء مقرات البعثات الدبلوماسية العُمانية في الخارج ومقار سكن لرؤسائها، إضافة إلى شراء مجمعات سكنية أو تجارية في أقطار الخليج وغيرها، يضاف إلى ذلك إمكانية شراء عقارات في الأقطار التي يقصدها المواطنون العمانيون بكثرة كطلاب علم أو سياح أو للعلاج وتأجيرها للراغبين منهم وتشجيعهم بالاقتطاع منهم وعلى رواتبهم في السلطنة بل ويمكن تيسير الدفع على المُعسر منهم بالتقسيط. فقد برهنت الأزمة المالية المُركبة التي نعيشها اليوم عن مدى حاجتنا إلى أصول مملوكة للدولة في الخارج يمكن بيعها لتغطية العجوزات وسداد القروض بدلًا من اللجوء إلى الحلول التقليدية غير المجدية أصلا وفي هذا الظرف الدقيق من زيادة ضرائب ورسوم وغرامات ورفع دعوم.

قبل اللقاء: نحن لا نحتاج إلى دماء ووجوه جديدة بقدر ما نحتاج إلى عقول وأنماط فكر جديدة، ولن نظفر بعقول وأفكار جديدة إلا في ظل منظومات تشريعية وإدارية وسياسات جديدة، وإلا فسنظل نعيد إنتاج عثرات الماضي بوجوه ودماء جديدة وهو ما لا نرجوه ولا يسعى إليه عاقل.

وبالشكر تدوم النعم..