سالم بن نجيم محمد البادي
بعد أن كتبت أكثر من مقال عن وادي الحريم، وغردت مرات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، كنت عزمت على عدم العودة للكتابة عن هذه القرية، لكن ومع تجدد الآمال في العهد الجديد عدت للكتابة مرة أخرى.
وادي الحريم الخيال والفنتازيا والتراجيديا والغموض وغرابة الاسم. وادي الحريم قرية تتلوى بين سلسلة جبلية بيوت متناثرة بين ضفتي الوادي القرية أوجعتها السنوات الخمسون التي مرت في انتظار أن يُعبد الشارع، وأزعجتها سحب الغبار عند مرور السيارات.
القرية المغمورة والمعروفة المنسية في آن واحد، والمنزوية هناك على استحياء شمال ولاية ينقل، أحلام متواضعة: شارع معبد ومجلس عام وقد تداعى الأهالي لبنائه بجهودهم الذاتية وهم يأملون أن تسهم الجهات المختصة في استكمال بنائه وبناء جامع أو توسعة المسجد القائم أو ترميمه من أجل إقامة صلاة الجمعة عِوَضاً عن الذهاب لقرية وادي المعيدن لأداء صلاة الجمعة فيها، وربط القرية بالعالم عن طريق تقوية الإرسال وشبكة الإنترنت، تعبت ونحن في زمن كورونا، وأنا أعتذر للذين يتواصلون معنا عن طريق الهاتف، ويكون صمت هاتفي صادما لهم، ويكثر عتابهم لي غير أن ردي جاهز دوماً: "الإرسال معنا ضعيف شوي".
لن أشتكي بعد اليوم، ولن أتمسكن، ولن أرجو وأستعطف، ولن أكتب رسائل بترويسة فيها الشكر الجزيل والمدح المبالغ فيه وعبارات التزلُّف لشخص ما أو جهة ما؛ لأن كل ذلك لم يجدِ نفعاً!!
الزملاء يقولون لي: "لا تشتري سيارة غاوية لين يزهب الشارع"، ولكنني اشتريت بعد أن طال الانتظار وكثر العيال أن حوالي نصف سكان الوادي هاجروا إلى البريمي الأقرب جغرافياً إلى وادي الحريم، والأكثر قرباً من النواحي النفسية والتاريخية؛ حيث إن الآباء والاجداد كانوا يذهبون إلى سوق البريمي للتبضع والتبادل التجاري، يبيعون اللومي والهمبا والنارنج والسمن البلدي والعسل الجبلي والأغنام والجمال، ويشترون القهوة والعيش والسكر والهال والبزار وعلب التونة والعنص والكستر والساقو (وزوارة) للأطفال والبسكويت والشكليت، وربما حبات من الفاكهة مثل التفاح، والآن يُخشى أن يرحل من بقي من سكان الوادي إن بقيت الخدمات غير مكتملة ومع شح المطر وقلة المياه.
ومن رحم المآسي تولد الكوميديا السوداء، وقد كثر التندر على اسم وادي الحريم، ومن الطريف أن ذلك وصل إلى معاوية الرواحي في لندن، حتى نشر على حسابه في تويتر صورة قنينة عسل تحمل اسم وادي الحريم.. وعسل وادي الحريم عالي الجودة لوجود أشجار السمر والسدر بكثافة، والامتداد الشاسع للجبال الغنية بالأعشاب المزهرة، ووجود المياه الجارية في الأودية بين الجبال.
وحين يسألونني عن سر تسمية وادي الحريم، أقول مازحاً سُمِّي بهذا الاسم تفاؤلاً؛ لأنه ما فيه حريم وعسى أن تأتي إليه. حسناً أنا أقترح أسماء أخرى للوادي مثلاً وادي الشوارب، ووداي الصناديد، وداي الشجعان، وادي الأبطال، أو حتى وادي الشياطين.. ولعل مع تغيُّر الاسم تتغير الحال إلى الأفضل.