دروس للخليج (6)

أما لهذا التخاصم من نهاية؟!

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **

 

يُخاطب المولى تعالى رسولنا عليه الصلاة والسلام (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).

يحق للخليجيين أن يتساءلوا: إلى متى هذا الخصام الخليجي، أليس له نهاية؟! ألم يجدر بنا بعد جائحة كورونا وتداعياتها الكارثية على مجمل النشاط الاقتصادي الخليجي، أن تُغيرنا: تغير أسلوب تفكيرنا وما في نفوسنا، وتدفعنا إلى طَي صفحة الماضي وتجاوز خلافاتنا التي طالت وأزمنت وشلت كافة أوجه التعاون بين دول المجلس؟!

اقتصاديات دول الخليج تُواجه اليوم ركوداً طويلا بعد أن تعطلت الأعمال شهوراً وأصبحت شركات كثيرة على شفا الإفلاس. هناك تحديات ضعف الطلب العالمي على النفط والغاز، والتطور السريع في نمو اقتصاديات الطاقة المستدامة والبديلة، والموازنات الخليجية تعاني عجوزات كبيرة تدفعها للاستدانة، إضافة إلى المُتغيرات الإقليمية والدولية لعالم ما بعد كورونا.

 كل هذه التحديات الكبيرة، ألا يجدر بها أن تدفعنا إلى تناسي خلافاتنا، لنكون أكثر قدرة على مُواجهتها؟!

لكل خصام أو مقاطعة أو خلاف سياسي بين الدول نهاية عبر حوار إيجابي بناء يقوم على تسوية سياسية تحقق الحد الأدنى من مطالب الأطراف المتفاوضة، لكن الخلاف الخليجي تعقد وأزمن وطال، وكلما لاح في الأفق بريق حل أو تحرك أو خطوة في سبيله، واستبشرنا خيراً وأملنا قرب الانفراج، يأتي ما يعكر الأجواء في آخر لحظة، وتعود الأطراف إلى سيرتها الأولى، ويعود التراشق الإعلامي وحملات التحريض وترسيخ الفرقة .

يحار العاقل في هذا العناد الخليجي المتصلب أمام أي انفراج للأزمة المستحكمة، إن أدبيات التفاوض في حل الخلافات بين كل دول العالم تقضي بأن يتنازل كل طرف عن بعض مطالبه في مُقابل أن يبادله الطرف الآخر بالمثل وصولاً إلى تسوية مقبولة، لكن  أدبيات التفاوض الخليجي تبدو مناقضة لمفاهيم التفاوض الدولي، فهي تجرى على طريقة إما أن تقبل كل الشروط أو لا حل! لماذا هذا التعنت واللدد في التخاصم في قضية الكل فيها خاسر؟!

 قطر حريصة على الحفاظ على الكيان الخليجي متمسكة به ولا بديل لقطر عنه، ومن هنا فهي منفتحة على أي حوار إيجابي لاحتواء الأزمة، انطلاقاً من قناعة قطرية استراتيجية بأن تخطي الخلاف، هو السبيل لتجاوز حالة الشلل الخليجي العام، وتأمين مسيرته وضمان أمنه ومستقبله، إذ لا سبيل لتفعيل العمل المشترك لدول مجلس التعاون في ظل أجواء الفرقة والمقاطعة. فكل المشاريع التنموية المشتركة البينية مُعطلة .

أتصور أنَّ أهم تحد يواجهه الخليج اليوم، هو إصلاح خلل ذات البين لتعزيز ودعم كيان مجلس التعاون وترابطه الذي قال عنه السفير عبدالله بشارة، ذات يوم: (الخليج هو الجزء الصحي السليم في الجسم العربي) لكنه اليوم صار عليلاً!

لقد كان (البيت الخليجي) الكيان العربي الأكثر انسجاماً وتماسكاً وتقارباً وتعاوناً وتكاملاً، وسط محيط عربي وإقليمي مضطرب، وكان الأقدر على لعب دور إقليمي يحافظ ويحمي المصالح الخليجية والعربية في مواجهة التدخلات الإقليمية والدولية، بفضل حكمة وحنكة قادة الخليج في تحصين البيت الخليجي، حتى طرأت هذه الأزمة المستحكمة التي عوّقت العمل المشترك (استكمال خطوات التكامل الاقتصادي والمالي والنقدي وصولاً إلى المواطنة الخليجية 2025) كما أضعفت الفاعلية الخليجية الإقليمية والدولية .

أخيراً: ألا تكفي 3 سنوات مريرة من التخاصم واستنزاف الموارد والطاقات الخليجية التي ذهبت هدراً في مواجهة بَعضُنَا بعضاً، ألم يأتِ الأوان لندرك أن الكل خاسر وأنه لا رابح ولا منتصر؟!

 لنغلب لغة المصالح المشتركة على العواطف، ولنفكر في مستقبل أجيالنا القادمة. لا ينبغي أن نظل أسرى صراعات الماضي المريرة، نحييها ونعيدها. لنعزز ما يجمعنا ونتجاوز مايفرقنا، فنحن ركاب سفينة واحدة، مصيرنا واحد، لنعمل على استشراف مستقبل للخليج موحد قادر على مواجهة تحديات عالم ما بعد كورونا، فالخليج يمر بتحديات ومخاطر تتطلب تكاتف الجهود.

 

** كاتب قطري