كتاب جديد يسلط الضوء على أهمية التحالفات العالمية

"دروع الجمهورية".. انعكاسات بناء التحالفات في حماية الأمن القومي الأمريكي

ترجمة - رنا عبدالحكيم

تَرصُد الكاتبة الأمريكية ميرا راب-هوبر في كتابها "دروع الجمهورية.. انتصارات التحالفات الأمريكية والمخاطر التي تواجهها"، الخطر الذي يتهدد منظومة التحالفات العالمية التي تحظى بها الولايات المتحدة حول العالم؛ حيث إنه رغم الدعم المستمر من المواطن الأمريكي لفكرة التحالفات، يبدو أن الرئيس دونالد ترامب عازم على تدميره.

ميرا راب هوبر.jpg
 

وفي كتابها الجديد الرائع الذي يدافع عن التحالفات الأمريكية، إلى جانب قضايا أخرى نشأت في عهد الرئيس دونالد ترامب، تلاحظ ميرا راب-هوبر أن التحالفات الآن باتت حزبية؛ فالرئيس ومؤيدوه يشجبون هذه التحالفات، بينما يناضل منتقدوه للدفاع عنها. وبحسب استعراض للكتاب -قدمته مجلة فورين بوليسي الأمريكية- تهدف الكاتبة إلى دعم المدافعين عن التحالفات، بأساليب مقنعة، وتطرح تساؤلا رئيسيا هو: "لماذا تنخرط أمريكا في تحالفات؟ وما الذي أنجزته؟ ولماذا تظل هذه التحالفات ذات قيمة؟".

وتوضِّح المؤلفة أنه طوال القرن التاسع عشر، لم يكن لدى الولايات المتحدة حاجة كبيرة لبناء تحالفات بفضل جغرافيتها المواتية وافتقارها إلى المستعمرات الخارجية. لكن في أعقاب حربين عالميتين، تسبب التقدم التكنولوجي مثل القوة الجوية بعيدة المدى والصواريخ والأسلحة النووية، في جعل الولايات المتحدة منكشفة على العالم؛ لذا تبنَّى صناع السياسة الأمريكيون نهجًا جديدًا، وكانت للولايات المتحدة مصلحة دائمة في ردع خصم معادٍ من الهيمنة على أوروبا وآسيا.

وقدمت التحالفات لصانعي السياسة الأمريكية حلاً لهذه التحديات، إذ تسمح لواشنطن بمواجهة التهديدات، مثل تلك التي تفرضها موسكو أو بكين أو بيونج يانج، بعيدًا عن حدود الولايات المتحدة. وفي مقابل الضمانات الأمنية، ستتمكن الولايات المتحدة من الوصول إلى قواعد مثالية للردع والدفاع الأمامي في أوروبا وعلى طول سلسلة الجزيرة الأولى، وهي سلسلة الجزر التي تضم اليابان وتايوان والفلبين. وترى الكاتبة أن التحالفات تعزز من نفوذ الولايات المتحدة في مواجهة الحلفاء الأضعف؛ مما يمنعهم من استفزاز جيرانهم. وتسلط الكاتبة الضوء على مفهوم "الردع الموسع"، والذي يعني قدرة الولايات المتحدة على ردع الهجمات على حلفائها أو على نفسها، وهو من شأنه أن يساعد على منع اندلاع الحروب بالمقام الأول. وفي عام 1953، خلص مجلس الأمن القومي الأمريكي إلى أن التحالفات "ضرورية"، لأن الولايات المتحدة لا تستطيع "تلبية احتياجاتها الدفاعية، حتى بتكلفة باهظة، دون دعم الحلفاء".

وتجادل الكاتبة بأن تلك الإستراتيجية حققت النتائج المرجوة؛ إذ إنه طوال الحرب الباردة، لم يتعرض أي من حلفاء واشنطن لهجمات، كما ساعدت التحالفات الأمريكية في إعادة تأهيل ألمانيا واليابان كديمقراطيات موحدة مع اقتصادات ديناميكية، فضلا عن طمأنة الحلفاء الأوروبيين والآسيويين الآخرين بأن أعداءهم السابقين لن يكون بإمكانهم تنصيب العداء لهم. وساعد نظام التحالف، واشنطن على إبقاء حلفائها تحت السيطرة؛ وتضرب مثالا على ذلك، بكبح جماح الحلفاء المناهضين للشيوعية في آسيا، لشن حروب تدعم شرعيتهم الداخلية.

وتنقل المؤلفة في كتابها عن فيكتور تشا الخبير السياسي والمدير السابق لمجلس الأمن القومي الأمريكي لشوؤن آسيا، قوله إنَّ كل تحالف من تحالفات شرق آسيا الأمريكية كان بمثابة "لعبة السلطة" تهدف إلى ممارسة أقصى قدر من السيطرة على تصرفات الحليف الأصغر. وساعدت الضمانات الأمنية الأمريكية في إقناع كوريا الجنوبية وتايوان وألمانيا الغربية بالتخلي عن برامج الأسلحة النووية الوليدة آنذاك.

وتؤكد المؤلفة أن استبعاد التحالفات كعنصر رئيسي في الحفاظ على السلام ليس بالأمر الهين، مشيرة الى أنه إذا عملت التحالفات بشكل صحيح، فينبغي أن يظهر نجاحها في منع وقوع أزمات أو نشوب حروب. وترى أنه لا يمكن حسم طبيعة العالم الذي لا تؤسس فيه أمريكا لتحالفات، فبدون رؤية واقع مغاير لما هو قائم الآن؛ فمن العسير الإتيان ببرهان على أن الولايات المتحدة كانت ستعيش حالا أفضل بدون تحالفات. لذا، تستعرض المؤلفة في الكتاب، رؤية متخيلة (غير حقيقية) في حالة عدم قيام تحالفات، فمثلا تتساءل: كيف يمكن أن تتكشف أزمة برلين عام 1961 بدون حلف الناتو؟ وترد قائلة: "كانت الولايات المتحدة ستواجه وقتًا أكثر صعوبة للدفاع عن موقعها في برلين الغربية، إن لم يكن لالتزاماتها تجاه التحالف". وقد لا يكون ذلك كافيا لتهدئة منتقدي نظام التحالف.

وفي السنوات الأخيرة، شجع ترامب معارضي التحالفات، الذين تختلف انتقاداتهم لنظام التحالف من حيث النوع والدرجة. ومنذ البداية، شكك ترامب في قيمة الناتو، وتعاطف مع الدكتاتوريين حول العالم، وسخِر من حلفاء الولايات المتحدة منذ فترة طويلة مثل أستراليا وكندا وألمانيا. كما عبر عن رفضه لإستراتيجية الولايات المتحدة الأممية للدفاع والردع الأمامي من خلال نشر القوات مسبقًا. ولم يكن عداؤه مجرد خطاب، ففي يونيو أذهل ترامب الحكومة الألمانية بالموافقة على خطة لخفض 9500 جندي متمركزين في ألمانيا، وهو تخفيض بأكثر من الربع.

وتكتب راب-هوبر، أنه من غير المرجح أن تجبر تكتيكات ترامب حلفاء الولايات المتحدة على إنفاق المزيد بشكل كبير على الدفاع، وقد تكون تكاليف كراهية ترامب كبيرة، منها تقليص نفوذ الولايات المتحدة في السيطرة على تصرفات حلفائها، وتقويض الفعالية العسكرية، وتآكل مفهوم الردع. وترفض راب-هوبر الحجة القائلة إنَّ التحالفات تخاطر بجر الولايات المتحدة إلى حروب باهظة التكلفة، كانت ستتجنبها إذا ما حدث خلاف ذلك. وتشير إلى أن الولايات المتحدة خففت من هذا الخطر في الماضي من خلال انتقائيتها ورفض طلبات بعقد اتفاقيات أمنية شديدة الخطورة.

وقالت إن القليل من حروب الولايات المتحدة السيئة -إن وجدت- في السنوات الأخيرة يمكن إلقاء اللوم فيها على حلفائها.

وبالنسبة للكاتبة، فهذا يعني اعترافا بأن الحرب تجاوزت التوغلات العسكرية الكبيرة وتحديث اتفاقيات الدفاع الحالية لتشمل خططًا للاستجابة لحرب المعلومات والهجمات الإلكترونية. وهنا، تقدم راب-هوبر مقترحين ذكيين؛ إحداهما أن يقوم حلف الناتو بتنبيه الأعضاء المعرضين لخطر التدخل في الانتخابات وتنسيق الاستجابة، والتعلم من دول مثل فرنسا، التي كانت قد جرّمت التدخل الروسي في الماضي. أما المقترح الثاني، فيتمثل في أن تتخذ الولايات المتحدة نهجًا أكثر تعقيدًا لتقاسم الأعباء، مع التركيز بشكل أكبر على القدرات الفريدة لكل بلد.

وتجادل الكاتبة بأن الأمن القومي الأمريكي يتطلب تحالفات تردع وتدافع ضد الصراع العسكري وغير العسكري على حدٍّ سواء. وأن منظومة التحالفات تأخرت بسبب إصلاحات ما بعد الحرب الباردة، لكنها لا تزال مهمة لضمان سلامة أمريكا وازدهارها في القرن الحادي والعشرين.

تعليق عبر الفيس بوك