حمد بن سالم العلوي
لقد صرفت اللجنة العُليا لمتابعة فيروس كورونا 70% من الموظفين عند بداية الإعلان عن جائحة كورونا، فظل في العمل ما نسبته 30% وسارت الأمور بحذر وحيطة، ولكن ضجَّ النَّاس وتذمَّروا من توقف مصالحهم الشخصية والعامة، ومُراعاة لسلامة النَّاس، وبحسن بصيرة وترو من اللجنة قد أجلت العودة التدريجية إلى ما بعد إجازة عيد الفطر، ورغم ذلك تأثر المؤشر الوبائي صعوداً، فغُضَّ الطرف عن هذه الزيادة، لأنَّ السبب مُناسبة دينية واجتماعية سنوية.
لكن سهم المُؤشر الوبائي، أخذ يتصاعد بعد العودة التدريجية للعمل، وذلك من حيث الزيادة في عدد الإصابات والوفيات إلى درجة مُخيفة بل رهيبة، وصار الناس يلْمَحُون من الحديث الأسبوعي لمعالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي وزير الصحة، أن مكمن الخطر يأتي من بعض الموظفين، الذين تعشَّمنا- نحن المواطنين- فيهم الثقة بما لهم من المعرفة والحرص، وبما لهم من دراية ووعي وثقافة عمل عالية، وذلك نتيجة التوجيه والتدريب المهني الذي يزودون به على رأس العمل، والانضباط السلوكي في العمل الجماعي، وعلى أنهم النُّخبة المختارة لإدارة مصالح الدولة، ولكن واقع الحال أظهر نوعاً من التيه المسلكي واللامسؤولية والتسيب الوظيفي، فقد انعكست تلك السلبية ذاتها في التحرز من وباء كورونا، فصار الموظف "المهمل" يوزع مع السلامات والتحيات وباء كورونا على زملائه في العمل، وعلى المراجعين، وعندما يعود الكل إلى منازلهم يعودون بدورهم حاملين معهم نصيبهم من الوباء إلى أهلهم وذويهم وأقاربهم في الحارة، وربما في الولاية كلها، لذلك صار الانتشار الوبائي بين العُمانيين أكثر من الوافدين، وذلك رغم ضعف الحياة المعيشية للعمالة الوافدة من حيث الازدحام في السكن، وضعف المستوى الثقافي والمعرفي، وخاصة في الجوانب الصحية، وعدم وجود أماكن مريحة لإعداد وجبات الطعام، مُقارنة بالمواطن الذي يمتلك بيتاً جيداً وبيئة صحية مُناسبة.
ترى متى سيعي هذا المواطن؟! إنَّ الهروب من قدر الله إلى قدر الله واجب؟! ذلك كما قال الفاروق - رضي الله عنه - وإنَّ مقولة لن يصيبنا إلا ما كُتب الله لنا مقولة صحيحة، وإنّ الله عزَّ وجلَّ الذي أكد على هذه المقولة وأمر بالإيمان بها، فإنه يؤكد أيضاً بالآية التي تقول: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، وإن القرآن الكريم يفسر نفسه بنفسه كما يقول علماء الدين، ولم يُفرِّط في شيء كتشريع وشريعة للحياة، ولكن يظل التفريط من قبل الإنسان نفسه، لكونه واقعاً بين الإهمال وضعف الفهم للقرآن.
وإذ "نحن" نعلم أن فيروس كورونا عدو غادر، ولكنه لا يأت راكباً على ظهر خيل، ولا دبابة ولا طائرة ليُهاجمنا حتى نراه ونحذره، وإنما من وصفه بـ"الفيروس" يُعلمُ يقيناً أنَّه لا يُرى بالعين المُجردة، فلِمَ هذا الإهمال وإغفال الحذر منه كشيء خفي مخيف، قال لي أحد الأشخاص مُعلقاً على إهمال النَّاس في الأخذ بالأسباب: وقفت عند جهاز الصَّراف الآلي انتظر الدور، فأشاهد النَّاس معظمهم يأتي واضعاً اللثام "الكمام" بطريقة صحيحة، ولكنه يمسك بيده مقبض الباب الذي قبضه قبله العشرات من الناس، ويدخل ويهرس في أرقام لوحة جهاز الصَّراف، ويأخذ حاجته معه ويخرج بنفس الطريقة التي دخل بها، ولا حذر ولا هم يحزنون، وربما يأخذ معه وباء كورونا أيضاً دون علم منه، فيعود ويركب سيارته ويذهب، فعندما أتى دوري ذهبت وأمسكت الباب بورقة محارم، واحتفظت بأخرى ولفيتها على أصبع السبابة لأضغط بها على الأزرار، وعند الخروج وضعت أوراق المحارم في سلة القمامة عند باب جهاز الصَّراف، وعدت إلى سيارتي فعقَّمت الأوراق النقدية وبطاقة السحب ويدي كذلك، فأنا إذا أصابني كورونا بعد هذه الإجراءات والحذر، فمعنى هذا أنه "قضاء وقدر" لأنني لم أهمل الاحتياطات، أما أولئك فإن أصابهم شيئاً - لا قدَّر الله - فذلك نتيجة الإهمال الشنيع.
إنَّ الأمر المُثير للسخرية أنْ تجد هناك من يمتهن هواية النقد، ويكيله بإمعانٍ وحرفية مبالغ فيها ضد المسؤولين في اللجنة العُليا ويُعطي النصيب الأكبر لوزارة الصحة، وخاصة معالي الدكتور الوزير وسعادة الدكتور الوكيل، فذات مرة رأوا معالي وزير الصحة يفتتح عيادة خاصة لعلاج كورونا، قد تبرعت بها الجمعية العُمانية للأطباء، ولم يكن مرتدياً اللثام لوجود تباعد كافٍ والحضور أطباء وأشخاص صحيين، فشنَّ هؤلاء الناقدون حملة شعواء لها أول وليس لها آخر، وقالوا فيه ومن معه ما لم يقله مالك في الخمر، ولم يأتِ أحدهم على ذكر للمشروع أو شكر المتبرعين به، وقد ذهبت 99 حسنة بسيئة واحدة، إن كانت هناك سيئة حقاً، وهذا على عكس النهج الرباني الذي يعدُّ السيئة بسيئة والحسنة بعشر أمثالها.
إنَّ صعود المُؤشر الوبائي بهذه الطريقة المخيفة والمزعجة، وتهديد الأمن القومي العُماني بالخطر، يحتاج إلى وقفة رادعة فاعلة، فالوضع لا يستحمل السكوت عليه أكثر فأكثر، والاقتصاد الوطني لن يصمد كثيراً، أمام هذه السلبية التي يقترفها بعض الناس، ممن يتجنُّون على أنفسهم وأهليهم ووطنهم، وذلك نتيجة الكسل وعدم الإكتراث والتهرب من تحمل المسؤولية، فكم من أرواح بريئة أزهقت بسبب هذا الإهمال؟ وكم من عائلة تجدها مكلومة بقتل كبيرها؟! ذلك نتيجة العاطفة التي زادت عن حدها إلى درجة التسبب في نقل الوباء إلى الآباء، فكم سمعنا أو علمنا عن قصص من هذا القبيل؟! فيُقال: جاء الزوج وزوجته وهم بهم إصابة أو قد خالطوا مصابين فنقلوا الوباء إلى الأم التي زاروها محبة، ثم ماتت بسبب تلك الزيارة المشؤومة، ترى كم أسرة بكت عزيزاً لديها بسبب إهمال المُهملين الساذجين؟!
إذن؛ لقد أصبح الردع واجباً وطنياً، وذلك من أجل أن نعيش جميعاً بلا قلق أو خطر مستمر، ومن أجل العودة إلى الانضباط الاجتماعي العُماني الموسوم بالطاعة والاحترام الذي كان سائداً، قبل أن يتمرد عليه جيل التقليد للآخرين، وذلك تحت شعار الفوضى المُغلفة باسم الحرية غير المنضبطة.
حفظ الله عُمان وشعبها الأبيِّ وسُلطانها الأمين من الأمراض والأوبئة وكافة بلاد المسلمين .. اللَّهُمَّ آمين يا رب العالمين.