كيف ساهم المواطن في انتشار كورونا؟

 

حميد بن مسلم السعيدي

قد تكون مذنباً دون أن تعلم أو قاتلاً دون أن تعرف أنك مجرم، كلاهما صعب عندما تُراجع ذاتك وتكتشف حجم الذنب الذي ارتكبته في نقل العدوى للآخرين بمعرفة منك، ودون الشعور بالمسؤولية الوطنية والدينية، فأيُّ مغفرة سوف تلجأ إليها حينما تعلم حجم المعاناة والألم الذي كنت سبباً في نقله للآخرين أو ربما- لا قدر الله- رحيل أحدهم؛ لذا ودون الشعور بالمسؤولية تكون سبباً في انتقال المرض وانتشاره بين أفراد المجتمع، وأنت على معرفة ويقين بأنك مصاب حيث تضرب عرض الحائط بكل التوجيهات والقرارات الاحترازية، وتكسر كل القوانين والأنظمة التي تتطلب منك الالتزام بالبيت لحين الشفاء التام، معتقداً أو أنك تشعر بالغبطة على أن الآخرين الأصحاء لأنه لم يصل إليهم المرض.

 لذا تسعى دون وعي أو إدراك لخطورة تصرفاتك بعيداً عن المبادئ الإنسانية إلى نشر المرض في مُحيطك الاجتماعي وأنت على يقين بالتصرفات التي تقوم بها في ظل غياب الضمير الواعي ودون خوف من العقاب القانوني، الأمر الذي نتج عنه انتقال البلد من مرحلة السيطرة على الأزمة إلى مرحلة فقدان القدرة على السيطرة أو التحكم في ارتفاع الإحصائيات بنسبة كبيرة جداً تجاوزت كل التوقعات والاحتمالات العددية خلال الفترة الماضية.

ذلك لم يقتصر على المصابين وإنما هناك الأصحاء الذين لم يلتزموا بالاحترازات الصحية في التباعد الاجتماعي والجسدي، وعملوا على التعايش في ظل الحياة العادية من خلال الاتصال المباشر مع الآخرين في كل مواقع الحياة، في الأسواق والشواطئ والمواقع السياحية والمناسبات الدينية والاجتماعية في تجمعات اجتماعية بصورة مستغربة في الفترة الحالية، تحت مرأى ومسمع الجهات الحكومية والخروج عن نطاق دائرة التحكم في حياتهم إلى دائرة أخرى يتحكم فيها الآخرون، الأمر الذي جعلهم عرضة للإصابة ثم نقل المرض إلى محيطهم الاجتماعي الخاص مما جعلهم سبباً مباشراً في نقل المرض، الأمر الذي نتج عنه رحيل الكثيرين دون سبب لهم سواء أنهم جلسوا في منازلهم إلا أن البعض لم يكونوا عند مستوى المسؤولية فتسببوا في إصابة أنفسهم ثم نقله إلى الآخرين.

في حين أنَّ هناك من تعرض للإصابة بالرغم من كل الجهود التي بذلها في الاحتراز الصحي إلا أنه نتيجة للعمل في المؤسسات الحكومية والخاصة، أو من الكادر الطبي نتيجة للتواصل المُباشر مع المصابين مما كان له الأثر في الانتقال إلى المحيط الاجتماعي الخاص بهم مما وسع من دائرة العدوى، فالأمر لم يكن في يد المواطن في التحكم في وصول العدوى إليه، وإنما نتيجة للعمل المهني الذي يقوم به، أو نتيجة للاستفادة من الخدمات الأخرى والمواد الاستهلاكية التي ذهب من أجل شرائها، مما كان سبباً في وصول العدوى وانتشارها حتى أصبحت معظم مناطق عُمان وولاياتها المختلفة متأثرة بالوباء وتعاني من الإصابة بأعداد ترتفع بصورة يومية، وبنسبة أعلى لدى المواطنين من المقيمين.

هذه الإشكاليات التي تتعلق بالمواطنين وسلوكياتهم في التعاطي مع جائحة كورونا حدثت بالرغم من كل الجهود الإعلامية خلال الفترة الماضية إلا أنها أخفقت في بناء الوعي لدى المواطنين في الوقاية وحماية أنفسهم من العدوى، مما أسهم في الانتشار السريع للمرض بصورة غير متوقعة خلال هذه الفترة الوجيزة، مما قد يسبب الضغط على الخدمات الصحية وربما عجزها لاحقاً عن توفير العناية الصحية لكل المصابين إذا تجاوز القدرة الاستيعابية للحالات المرضية التي تتطلب العلاج في المستشفيات مما يدخل البلد في أزمة حقيقية لانعرف متى تكون نهايتها.

وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها الإنسانية على وجه الأرض لا نعلم متى نتعرض للإصابة بكورونا؟ أو ما مستوى ونوعية الإصابة التي قد نتعرض لها؟ ولا نعلم ما هو المصير في ظل اختلاف الرؤى والنظريات التي تفسر نوعية المرض وتأثيراته على الإنسان؟ لذا فالخوف أصبح أكثر من الماضي على أنفسنا وعلى من نحب من الرحيل دون وداع أو حتى إلقاء النظرة الأخيرة، ودون أن نستمع لوصيتهم الأخيرة، أو نرى أعينهم قبل الرحيل، فمؤلمة أن تودع من عاش معك عمراً دون أن تراه أو تقل له وداعاً، ومؤلمة أن يرحل الكثيرون وهم يصارعون المرض والموت دون أن يكون أعز الناس إليهم بجوارهم، لحظات لا يُدركها أو يعلم حجم الألم فيها إلا من يتعرض لها، ما بين صراخات الألم وصراخ الرحيل، لذا لا نريد أن نكون سبباً في ألم أحدهم أو رحيل آخر فهو جرم يبقى معلقاً على صدرك إلى يوم الدين، سوف يدعون عليك ويرفعون قضيتهم إلى رب السماء، وعند الله تجتمع الخصوم، فلا تكن خصماً لاحد أوكل الله عليك بمحاسبتك.

هذا الأمر ينبغي أن يجرم وفق للقانون الذي ينبغي إعادة صياغته بصورة مختلفة، فهناك مواطنون التزموا بالإجراءات الاحترازية لكنهم تعرضوا للإصابة بسبب الآخرين الذي لم يكونوا عند مستوى المسؤولية، الأمر الذي نتج عنه دخول البلد في مرحلة صعبة جداً مع تجاوز الإصابات العدد المقبول وارتفاع الوفيات بصورة يومية تصل إلى 10 وفيات في اليوم الواحد، وهو عدد كبير بالمقارنة مع عدد السكان في السلطنة، لذا حان الوقت لإعادة صياغة الإجراءات الاحترازية وتغليظ العقوبات بصورة أكبر مما قد يشعرهم بحجم المخالفة التي يرتكبونها بحق هذا البلد ومواطنيه.