نحو بناء المجتمع الصيني العربي

لي زيشين **

** باحث مساعد لقسم الدول النامية بالمعهد الصيني للدراسات الدولية

أمام التحديات الضخمة الناجمة عن فيروس كورونا المستجد، يفكر المجتمع الدولي في كيفية التعامل مع حوادث طارئة عالمية للصحة العامة بشكل ملائم، وما هو اتجاه تطور منظومة العلاقات الدولية في العصر الجديد. في عصر العولمة، تترابط دول العالم في المستقبل المشترك وتتقاسم في السراء والضراء؛ أما هذه الأزمة الواقعية، فتحذرنا أن أي دولة لا يمكن أن تنأى بنفسها.

وتضرب الصداقة الصينية العربية بجذورها في أعماق التاريخ وتزداد قوة ومتانة مع مرور الزمن. إن إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك لا تمثل هدفا مشتركا للجانبين فحسب، بل وتجسد مدى عمق العلاقات بين الجانبين في الوقت الحالي. يعتبر التكاتف لمواجهة تحديات جديدة واستقبال فرص جديدة خيارا حتميا للجانبين الصيني والعربي في تطوير العلاقات بينهما في العصر الجديد.

وتمثل إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك حاجة لكلا الجانبين، فقد تبادل الجانبان الصيني والعربي التجارة والعمال في طريق الحرير القديم، وكافحا جنبا إلى جنب في النضال من أجل الاستقلال الوطني والتحرر الشعبي، وتقاسما في السراء والضراء، وتبادلا الدعم والتعاون للكسب المشترك في مسيرة بناء الدول. ومنذ زمن بعيد، لم يكن التساند بين الصين والدول العربية مدفوعا بقوة خارجية يوما، بل وينبثق من الحاجة لكلا الجانبين والإعجاب المتبادل بينهما. في ظل التغيرات الكبيرة التي لم يشهدها العالم منذ مائة سنة، تتزايد تحديات وعوامل عدم اليقين بشكل ملحوظ، غير أن هناك أمرا لن يتغير وهو روح التعاون المتبادل المنفعة بين الصين والدول العربية والصداقة العميقة بين الجانبين في السراء والضراء.

وفي ظل تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، كان الجانبان الصيني والعربي يتبادلان الدعم ويتفاعلان في الوقاية والسيطرة، وحققا نتائج مرحلية هامة في مكافحة الوباء. في بداية تفشي الوباء، بادرت الدول العربية العديدة إلى تقديم مساعدات للصين وفتحت ممرات خضراء لها من أجل مكافحة الوباء، وقامت بعض شركات الطيران بتفعيل شبكاتها للشحن لنقل مستلزمات طبية عاجلة إلى الصين مجانا، الأمر الذي وفر دعما جبارا للصين في مكافحة الوباء. مع انفراج الوضع في الصين وزيادة قدرتها الإنتاجية، وأصبح تقديم المستلزمات الوقائية إلى الخارج أمرا ممكنا.

وقدمت الصين إلى الدول العربية كمية كبيرة من الكمامات وأجهزة التنفس والألبسة الواقية وأطقم الاختبار وغيرها من المستلزمات ذات الحاجة الملحة، وعقدت اجتماعات افتراضية بين الخبراء الصحيين لدى الجانبين، وأرسلت أفرقة الخبراء الطبيين إلى دول المنطقة لتقديم الإرشادات ومساعدتها على وضع برامج الوقاية والسيطرة وتقاسم التقنيات والخبرات الطبية وتطبيق الإجراءات الوقائية في المجتمعات المحلية.

ومن شأن إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك أن توفر فرصا تنموية جديدة للجانبين. وفي الوقت الراهن، دخلت الاشتراكية ذات الخصائص الصينية عصرا جديدا،  بينما تعيش الدول العربية مرحلة مفصلية للإصلاح والنهضة، فتترابط الأمتان ترابطا وثيقا بحلمهما المشترك للنهضة ورغبتهما المشتركة في التنمية. وفي هذا السياق، قام الكثير من دول الشرق الأوسط بمواءمة استراتيجياتها التنموية مع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وفي مقدمتها "رؤية مصر 2030" و"رؤية السعودية 2030" ومشروع مدينة الحرير الكويتي ومشروع مدينة محمد السادس الذكية بطنجة المغربية و"رؤية الأردن 2025".

إن المواءمة بين الاستراتيجيات ستوظف إمكانية كامنة هائلة في التعاون الصيني العربي، وستوفر قوة دافعة مستدامة لتقدم المنطقة. كما إن "التنمية هي المفتاح الرئيسي لحل جميع المشاكل"، وهي السبيل الأساسي للتعاون الصيني العربي في خلق مستقبل مزدهر. لكن الوباء يزيد من ضغوط دول العالم في مواجهة الانكماش الاقتصادي والصعوبات المالية، علاوة على أن الأوضاع تدهوت بسبب تقلبات هائلة في أسعار الطاقة. وفي هذا السياق، يمكن القول إن تعزيز التعاون بين الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم والدول العربية باعتبارها الرئيسي للطاقة في العالم، لأمر يساهم في تحويل أزمة إلى فرصة والإصلاح الاقتصادي وترقية الصناعات للجانبين، ويساعد الاقتصاد العالمي على خروج من المأزق والتوجه نحو الانتعاش.

ولا تخاف الصين والدول العربية من التشويه والافتراء في إقامة مجتمع المستقبل المشترك. وظلت الصين تتمسك بموقف عادل وموضوعي من شؤون الشرق الأوسط وتتعامل مع كافة دول المنطقة بكل صدق وإخلاص. وتحرص الصين على مواصلة دورها في صيانة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط والدفاع عن العدالة والإنصاف ودفع التنمية المشتركة وتعزيز الاستفادة المتبادلة، وذلك يجعل الدول العربية تكن المشاعر الطيبة تجاه الصين، وها هو سبب أساسي يدفع دول الشرق الأوسط للوقوف الثابت مع الشعب الصيني في مكافحة الوباء، وها هي مرجعية روحية للمجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك. غير أن البعض اتهموا الصين بتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط باستغلال الوباء والمساعدات المادية، وحرضوا الدول العربية على الابتعاد عن الصين بذريعة "حماية سلامة السلسلة الصناعية"، وادعوا بأن المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك "سيجعل الدول العربية أكثر اعتمادا على الصين". وفي وجه هذه الشائعات، تتمكن الدول العربية من التمييز بين الصديق الحقيقي ومن يزرع بذور الشقاق. وبينت استطلاعات الرأي من مختلف المصادر أن أغلبية الشعوب العربية ترى أن الصين صديق وشريك موثوق به لا يتدخل في شؤونها الداخلية بل يساعدها في تنمية الاقتصاد.

وفي فترة تفشي الوباء، بذلت الصين قصارى جهدها لحماية سلامة وصحة شعبها، بل وقدمت مساهمات إيجابية في صيانة الصحة العامة العالمية، الأمر الذي يجسد مدى وفائها بالالتزامات كدولة كبيرة مسؤولة، ويحظى بالاستحسان والتقدير الواسع النطاق من الشعوب العربية.

وختامًا.. يقال إن الصديق وقت الضيق، ولا شك أن المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك سيتقدم إلى الأمام سليما ومستداما بدعم من الجهود المشتركة من قبل الجانبين.

تعليق عبر الفيس بوك