"كورونا" بين الالتزام والتعافي.. أين الخلل؟!

 

 

د. بدر الشيدي

كورونا (كوفيد 19) شاغل الناس ومالي الدنيا. اجتاح العالم وانتشر بسرعة مضطردة، وضرب بأطنابه أعتى الدولة وأحصنها. كثيرة لا تعد هي التحذير التي أُطلقت بضرورة الالتزام والتقيُّد بالقواعد والإجراءات التي وضعتها اللجنة العليا المكلفة بالتعامل مع الوباء. الوعي المجتمعي والالتزام، هما الرهان الشافي والضمان. لكن هل أتى ذلك ثماره؟

الوعي المجتمعي كرهان. أعتقد لا يستقيم إلا على دراسات وتحليلات بما يستخدم من الأجهزة والأدوات التي تُمكِّن من قياس الوعي لدى المجتمع. التساؤل: كيف توصلت الحكومة إلى قناعة بأنَّ الوعي المجتمعي في أعلى تجلياته وقادر على التناغم والتجاوب مع تلك النداءات والتحذيرات؟ هل قيست نفسية الجماهير ورغباتهم في الفترة الزمنية التي يُمكن تطبيق الإجراءات عليهم؟ وبالتالي كانت الأرضية مناسبة لصياغة القرارات والأوامر وفقا لذلك، أم كان الرِّهان على حصان خاسر من البداية؟

الالتزام، ليس استحساناً أو استحباباً، وإنما واجب إن لم يكن فرضا. وقد يتحول إلى إكسير الحياة والكلمة السحرية والدواء الشافي لهذه الجائحة حتى الآن. نتكلم عن ثقافة الالتزام. للآسف غير مترسخة إن لم تكن غير موجودة أصلا في المجتمع.  

ثقافة الالتزام تعني أن نتخلى عن الأنا في سبيل تحقيق نحن، ومتطلبات أنتم وهم، المعبرين عن الجماعة والمجتمع بشكل عام. التزام وطني وأخلاقي وقانوني وديني. وقد تجسد ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا نزل الطاعون أرضا فلا تدخلوها، وإذا كنتم فيها فلا تخرجوا منها"؛ في تأكيد لأهمية الابتعاد عن مناطق الوباء وعدم الولوج فيها. فأين نحن من هذا الحديث الشريف؟

ولكن لو نظرنا بمنظار آخر، هل تم تهيئة الأرضية المناسبة لإشاعة ثقافة الالتزام في المجتمع؟ هل كانت السلطة ومكوناتها هي خير مثال في تطبيق الالتزام بالأنظمة والقوانين والإجراءات التي تضعها وتشرعها بنفسها وتطالب المجتمع بالالتزام بها. في الحقيقة لا، أعتقد بأن السلطة لم تكن المثال الذي يحتذى به في تطبيق قاعدة الالتزام. لا أحد يلتزم بالقوانين، لا المؤسسة ولا المجتمع.. أصبح الاختراق وتجاوز القوانين والقفز عليها هو القاعدة، والاستثناءات هي القانون أو الالتزام. شاع بين الجميع عدم احترام القوانين والأنظمة والإجراءات، عدم الالتزام أصبح ثقافة سائدة. ربما المشكلة أعمق، وما فائدة القوانين إذا لم يكن لها مستجاب، كما قيل في المثال: "ما نفع مصباح في مكان ماطر".

يدخل في ذلك الإجراءات التي أُعلِن عنها. وتتمثل في عزل المحافظات ومناطق ومدن وإغلاق الأسواق. هل طبق ذلك بشكل صارم وحازم دون هوادة ولا مواربة. كانت هناك فسحة أعطتها الحكومة لأفراد المجتمع في بعض الاستثناءات لضرورة ارتأتها السلطات وقدَّرتْها مشكورة. لكن للأسف قوبل ذلك بعدم مسؤولية واستهتار، وأصبحت ثقافة الإفلات من قبضة الإغلاق شجاعة. في الوقت الذي تعاملت فيه الحكومة بكل شفافية وتقدير واحترام مع المجتمع.

الرسائل التي تبعثها الحكومة لم يتلقاها الناس بشكل جيد. رفع القيود عن بعض الأنشطة التجارية ورفع الإغلاق عن المناطق فُهِم منه أنَّ الوباء زال. وعندما يصيب كبار السن زالمصابين بالأمراض المزمنة يكون أكثر خطورة، فُهِم أنَّ الفئات الأخرى بعيدة عن الإصابة به. وعندما فتحت الأسواق رأينا الاندفاع والتسارع نحوها. البعض لا يزال يحرص على بعض العادات؛ ومنها: التجمعات وإقامة المناسبات والولائم والعزائم بشكل مبالغ فيه. ذلك مرة أخرى يعيدنا إلى الوعي المجتمعي. بكل بساطة كان الاستهتار عنوان المرحلة.

وفي المقابل، لا بد للحياة أن تستمر.. لا يُعقل أن تظل مصالح الدولة معطلة، وعجلة الاقتصاد متوقفة؛ لذلك صدرت التوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم بأهمية التعايش والتأقلم من أجل الوصول للتعافي.

متطلبات هذه المرحلة تتطلب منا جميعا التكاتف والتعاون، وأن يبرهن المجتمع بأنه على درجة عالية من الوعي والإدراك والمسؤولية. المرحلة تتطلب أيضا مراجعة الكثير من القوانين والأنظمة وتغيُّر الكثير من السلوكيات والعادات؛ سواءً على مستوى الأجهزة الحكومية أو أفراد المجتمع.. مهمٌّ جدا أن يُعاد صياغة معنى الالتزام بالقوانين والأنظمة، خصوصا من قبل الطرف الأقوى المتمثل في الدولة.. يبقى الأمل كبيرا في أن تنقشع هذه الغمة، ندعو الله أن يزيل عنا هذا الوباء، وتعود الحياة طبيعية جميلة مزهرة، وتبقى عُمان هي الهدف الأسمى.