فساد المسؤول

نمير بن سالم آل سعيد

لنعترِف بأنَّ هناك مسؤولين فاسدين في بعض المؤسسات الحكومية والخاصة؛ السابقون منهم واللاحقون، استطاعوا النفاذ من ثغرات قانونية وإجرائية غير محكمة الإغلاق، لتحقيق منافعهم الشخصية للإثراء غير المشروع من خلال إساءة استخدام السلطة، واستغلالها والانتفاع بها، وإهدار المال العام.

وهؤلاء بأنانيتهم المُطلقة وطمعهم الجَّم لا يرون نصب أعينهم إلا مصلحتهم الخاصة، أما المصلحة العامة فلا اكتراث لها عندهم ولامبالاة.

وأوَّل ما يُفكِّر فيه الفاسدون بعد حصولهم على مناصبهم المُتنفذة، هو كيفية استغلال المنصب من أجل أن تفتح لهم الثروة أبوابها للدخول في رحابها، وهؤلاء لا ذمة لهم ليقّروا بها، فقد نبذوها منذ اتخاذ الخداع منهجاً لهم والدسيسة كياناً.

بينما لا يجب الترَبُّح من كرسي الوظيفة، إلا بما يستلمه الموظف من راتب شهري، وما تقره الحكومة من مُستحقات قانونية متبعة، عدا ذلك يثقل من كاهل الدولة ويضيع حقوقها ويُبدّد ثرواتها.

وإذا ذكرنا أنَّ هناك بعض الفاسدين الذين استباحوا مُقَدّرات الوطن لمصالحهم، فهناك أيضًا الآلآف ممن لا يقبلون الفساد على أنفسهم ووطنهم، ويرفضون تلويث أياديهم الشريفة بمكتسبات الفساد القذرة ومغانمه المُلطخة بالخزي والعار الموشوم على جباه الفاسدين مدى الزمان بالمذلة والهوان.

والشرفاء الكرام يترفعون عن هذه الرذائل الخائنة للأمانة، حتى ولو عاشوا على الكفاف من الرزق طوال أعمارهم، ليظلوا في ثراء العزَّة والكرامة والشموخ، محافظين على مبادئهم الثابتة التي لا يتزعزع بناؤها رغم الغوايات والإغراءات وكافة الملذات الموعودة.

وإنما بعض المسؤولين يرتمون على صهوة الفساد متخذينه مطية يركبونها لتحقيق مصلحتهم الشخصية على حساب المصلحة العامة، والتي يسلبون من رصيدها شيئاً فشيئًا بعيدًا عن أعين الرقباء والحسباء، حتى نمت أرصدتهم البنكية وتضخمت وأصابها الشبع إلى حد التخمة.

وعند سؤالهم من أين لك هذا؟ يقولون هذا من فضل ربي، يرزق من يشاء بغير حساب!! وإنِّما في الحقيقة من حالَفَ الشيطان في فساد ضد وطنه فاللهُ منه براء، يُمهل ولا يُهمل.

ومن اليقين أنَّ الغنى الفاحش والتضخم الكبير في الثروة يُثير علامات الاستغراب ويبعث على التساؤل المُستمر في المجتمع، فكيف يستطيع هذا الموظف مهما كانت وظيفته إحراز هذه المُكتسبات المادية الكبيرة الظاهرة للعيان براتبه الوظيفي المحدود؟!

والأغنياء ثلاثة؛ إما وارث وإما تاجر وإما سارق، والسؤال: من أين أتيت بكل هذا؟ من ورث ورثته؟ أم من تجارة اكتسبتها؟ فماذا تبقى إذا لم يكن من هذا أو ذاك؟!

وإذا نظرنا إلى الفاسد فلابد أن نجد شلة الفساد حوله، أعوانه المفسدون الذين قربهم منه وأحاطهم به ليشاركونه فساده، يزينون له سوء عمله، وينتفخ بنفاقهم الخبيث وينتشي كلما قال قولاً أو فَعَلَ فِعْلا.

وهؤلاء هم الأداة الرئيسية في تسهيل عمل الفاسد وتمهيد الطريق له والتستر عليه لمُمارسة فساده، مقابل تخديرهم بما يرميه عليهم من غنيمة من حصيلة الفساد، ولولا هؤلاء المفسدين لما تمكن الفاسد من تنفيذ فساده.

أما الأمناء أصحاب النزاهة والإخلاص في العمل فمصيرهم الإقصاء إلى دوائر الغياب عبر دهاليز التعتيم، ليكونوا بعيدًا عن أنظار ما يحدث من فساد، حتى لا يُسمع لهم صوت ولا تكون لهم كلمة، ليخلوا الملعب بلاعبيه الفاسدين ذوي الأرواح النتنة.

وقد بذلت الحكومة فيما مضى جهوداً لمُكافحة الفساد من خلال المنظومة التشريعية المتوفرة مع إنشاء جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، وإنما استطاع البعض- على الرغم من ذلك- مُمارسة فسادهم، إضافة إلى استغلال "نقاء السريرة" بالمكر والخداع والمُداهنة لنيل مرادهم ليصبحوا أغنياءً في فترة وجيزة.

ووضع الحد لذلك يتم من خلال رؤية واضحة ودراسة وافية، بإستراتيجية وطنية شاملة لمُكافحة الفساد تتوافق مع المعايير الدولية، مع إنشاء جهاز للنزاهة ومكافحة الفساد يتولى المتابعة والتحقيق وجمع الأدلة والإثباتات بشراكة وارتباط بأجهزة الدولة المعنية المُعينة على تحقيق الهدف، بضبطية قضائية فعَّالة مع تغليظ العقوبة القانونية اللازمة على كل من تسول له نفسه المساس بالأمانة الوطنية المقدسة.

وما قاله حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- في خطابه التاريخي السامي بتاريخ 23 فبراير من هذا العام 2020 عن العزم على إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتحديث منظومة التشريعات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة، يحيي الأمل في اجتثاث الفساد من جذوره، واستصال شأفة الفاسدين حتى لا تقوم لهم قائمة.